لندن– لم يتراجع التضخم في بريطانيا حتى الآن، مما يشكل تحديا كبيرا أمام المؤسسات الاقتصادية، وعلى رأسها البنك المركزي، إذ أعلن المكتب الوطني للإحصاء في البلاد (ONS) أن نسبة التضخم ما زالت عند 8.7%، وهي الأعلى ضمن مجموعة الدول السبع (G7)، وهو ما يعني زيادة الضغط على البنك المركزي الذي رفع أمس الخميس سعر الفائدة للمرة 13 على التوالي، لتصل إلى 5% بزيادة حادة عن 0.1% نهاية 2021.
وأظهرت أرقام مكتب الإحصاء الوطني أن نسبة التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والمحروقات، ارتفعت من 6.8% أبريل/نيسان الماضي إلى 7.1% خلال مايو/أيار الماضي وهو الأعلى منذ سنة 1992.
وتتجه كل الأنظار حاليا إلى المؤسسات البنكية البريطانية التي ستضطر لرفع أسعار الفائدة على القروض، مما يجعل ملايين الأسر البريطانية أمام أزمة غير مسبوقة لسداد هذه الأقساط.
انفجار قنبلة القروض
وصف الخبير الاقتصادي البريطاني الشهير مارتن لويس ما يحدث حاليا في سوق القروض البريطانية بأنه “انفجار قنبلة القروض”، التي توقعها قبل أشهر، وقال مؤسس موقع “خبراء توفير الأموال” (Money saving experts) إنه يتوقع أن يستمر ارتفاع أسعار الفائدة على القروض خلال السنوات الثلاث المقبلة.
هذا التوقع يثير الخوف بين أكثر من مليون بريطاني سوف يكون عليهم خسارة 20% من إجمالي دخلهم الشهري لسداد أقساط ديون قروض شراء بيوت، وذلك حسب دراسة لمعهد الدراسات الضريبية البريطاني (IFS)، الذي أكد أن أسعار الفائدة على قروض العقارات أصبحت الأعلى منذ سنة 2008، وأن 1.4 مليون شخص من أصحاب القروض سوف يتضررون ويفقدون جزءا كبيرا من دخلهم الشهري.
ومن المتوقع أن يلجأ ربع أصحاب القروض في بريطانيا أمام ضرورة تجديد عقود قروضهم خلال هذه السنة أو السنة المقبلة بأسعار فائدة مرتفعة جدا، فأغلب هؤلاء حصلوا على القروض عندما كان سعر الفائدة في حدود 1% أيام جائحة كورونا، بينما سيكون عليهم الآن الحصول على قروض جديدة بنسبة قد تصل إلى 6%، وهو ما يعني زيادة في قيمة الأقساط الشهرية بنحو 500 إلى 600 جنيه إسترليني شهريا.
وحسب آخر المعطيات من مؤسسة “ماني فاكتس” (Moneyfacts)، فإن معدل سعر الفائدة للحصول على القروض بداية من الأسبوع المقبل سيصل إلى 6.15%، وهو أعلى سعر فائدة منذ حالة الانهيار التي ضربت الاقتصاد البريطاني خلال العام الماضي.
وتحول معدل التضخم إلى رقم مرعب بالنسبة لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي وعد -بداية السنة الحالية- بخفض معدل التضخم إلى النصف ونقله من 11% إلى 5%، وهو ما عجز عنه حتى الآن.
ما العمل؟
وأثارت الخبيرة الاقتصادية كارين وارد، التي تشغل منصب مستشارة اقتصادية لدى وزير الخزانة البريطاني جيرمي هانت، كثيرا من الجدل عندما قالت إن حل أزمة التضخم هو “سعي البنك المركزي لخلق حالة من الركود الاقتصادي”.
وأضافت الخبيرة البريطانية -التي تعد أيضا من كبار المسؤولين في بنك “جيه بي مورغان” (JPMorgan)- في حديث مع إذاعة “بي بي سي 3” (BBC3) أنه يتعين على البنك المركزي أن يخلق حالة الركود، “لأن حالة عدم الاستقرار والخوف هي التي تجعل الشركات تشعر بالقلق، وتفكر أكثر من مرة قبل زيادة الأسعار، كما أن العمال سيشعرون بالخوف من طلب أي زيادة في الأجور”، وهو ما يساعد على تراجع معدلات التضخم.
ويتفق رأي الخبيرة البريطانية مع ما ذهب إليه البنك المركزي الذي وجه أصابع الاتهام للزيادة السنوية في الحد الأدنى للأجور في بريطانيا التي تسهم في زيادة مداخيل البريطانيين، ومن ثم تشجيعهم على الاستهلاك أكثر.
في المقابل، يضغط حزب العمال المعارض على الحكومة البريطانية من أجل تخصيص ميزانية لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون زيادة كبيرة في أسعار الفائدة، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء بدعوى أن هذا الدعم -المقدر بنحو 28 مليار جنيه إسترليني- سوف يأتي من خلال الاقتراض من جديد، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم من جديد.
سكاي نيوز
الجزيرة