رسالة إلى ذلك الجندي المجهول، ولكل وطني شريف ، تعّرَق في خدمة وطنه بشرف وأمانة، سهر على أمنه وأمانه وحرس حدوده وأمّن حرائره، وحرِص على معناه ورفع راياته ، وحرس حياض دينه ، وعمّره بالمساجد والمآذن ودور العلم ، وبنى وعبّد طرقه ، وأجرى مياهه واخرج خيراته ، واحترم سيادته ، وعلّى من قيمته، وأشعل فيه الضياء.
والى كل من ولاٌّه الله أمرنا ، فكان نعم الولي القوي الأمين، والى كل وزير ، كان عفيفا وسابقا بالخير لوطنه، ولكل قائد كان يعي معنى وطنه وتحدياته ويؤدي وظيفته بأمانة القائد الرباني الرسولي العفيف، والى كل جنديّ كان يشد على الزناد ويحرث ثغور بلاده ، والى كل ضابط في الأمن كان يدرك أهداف التعساء ويعرف مداخل الأشقياء، أدى دوره بأمانة الحارس التقي.
والى كل رسول، أدى وظيفته بأمانة ولم يخن ولم يكّل ولم يَملّ من عبء الأمانة ، والى كل سفير من أبناء شعبنا ، رسمي وغير رسمي ، كان يرى وطنه يُباع في سوق النخاسة، فيشتريه، ويرده له هيبته وإهابه ، والى كل شريفة من فتيات بلادي، غنّت لسودانها بلسان مهيرة، وحرسته كما حرس أماني ريناس حدوده من الغاشمين، تلك التي حفظت سمعتها في الخارج وسمعته، ورفعت رأسها عاليا ملفوفة بثوب الحياء والشرف والعفاف، وحاربت من أجله طواغيت العملاء، والى كل طفل إستنشق عبق طين الوطن وما اكتفى، والى كل قلب نبض واستقى من حب الوطن وارتوى.
إلى كل هؤلاء ، أهديكم هذه النوستالجيا من صفحة الأمس القريب، عندما كان شيطان الوطن مكبلاً، وكان الناس عيونهم ساهرة على الوطن ، قبيل أن تهب رياح الشقاء علينا من معدمي الضمير.
في زمانكم كانت البنادق صامتة، وموجهة لصدر العدو، وكانت الديار مؤمّنة وآمنة بفضل ربها، والقلوب مطمئنة، وكانت الحرماتُ مصون، والايام زاهيات والبيوت عامرات ومزدهرات برحابها وترحابها ، وكانت الأعياد لطيفة جميلة والنفوس ودود كالنسائم ، و القلوب حبلى بالحب والجمال ، وكانت الاحلام نبيلة، وغامرة بالرجاء والسعد والبركة والأمل، وكانت الدعوات مُجابة، والبركات مُسبَلة تعم السودان بالخير والسعد والرخاء ، وكان طبع النسيمُ الغَرفُ من المُلتقى والرشح في الحدائق، ولفائف الزهور ، وكانت الطرقات تموج بالجمال والحوانيت ترعى بالخير والرغد والرفاه، وكانت جدائل اللبخ دانياً على الشوارع، وكانت القناديل تضيء بزيوت العافية، والشموع ترقص مع النسائم ، والناس في نعيم، والهموم معدمة ، وكان الوطن في عزًّ وشرف وسيادة وريادة، وكانت الطرق معبدة بالأمان والقلوب زاخرة بالأمن والطمأنينة، والخيرُ دانٍ بفضل ربه ، والأسواق تعُجٌ بالرخاء.
فأصبحنا كقريةٍ كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقُها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ، وبئس الصنيع صنيعنا، فقد خُنّا اماناتنا وعهودنا بالله ، إذ قال الله لا تسرفوا فأسرفنا وقال إن الله لا يحب المبذرين فبذّرنا، وقال إن الله لا يحب الفخورين فتفاخرنا، ولا يحب المفسدين ففسدنا ، وقال إن الشرك لظلم عظيم ، فظلمنا أنفسنا ،فأذاقنا الله لباس ما صنعنا، اللهم ردنا إليك ردنا جميلا ولا تذِقنا من العذاب الأكبر، بعد العذاب الأدنى فإنا تائبون وراجعون.
الرفيع بشير الشفيع
٢١ يونيو ٢٠٢٣م