لندن- يعيش قطاع قروض العقار في بريطانيا حالة من التخبط متأثرا برفع البنك المركزي نسبة الفائدة أكثر من مرة. ومثل تأثير قطع “الدومينو”، تأثر قطاع العقار أيضا الذي يعيش أسرع انخفاض لقيمته منذ أكثر من عقد من الزمان.
وشهدت أسعار العقارات في بريطانيا أسرع انخفاض في قيمتها منذ أكثر من 14 سنة، بحسب مؤسسة “نايشن وايد” (Nationwide) للقروض، التي أكدت أن أسعار العقار انخفضت منذ بداية السنة إلى مايو/أيار الماضي بنسبة 3.4%، وهو أكبر انخفاض يعرفه هذا القطاع منذ سنة 2009.
هذا التراجع في أسعار العقار في بريطانيا مرتبط بعدم قدرة الراغبين في اقتناء منزل على الحصول على قروض بنسب فائدة معقولة، لدرجة أن عددا من مؤسسات القروض أوقفت خدمة تقديم القروض العقارية إلى حين وضوح الصورة أكثر، في ظل توالي الأنباء عن نية البنك المركزي رفع سعر الفائدة من جديد ليصل إلى نسبة 5%.
تراجع أسعار العقار
وأجمعت كل المؤسسات المالية البريطانية على أن أسعار العقار في البلاد انخفضت وسوف تنخفض أكثر خلال هذه السنة، وربما خلال العام المقبل.
وبحسب مؤسسة “هاليفاكس” (Halifax) للقروض، فإن من المتوقع أن تنخفض أسعار البيوت في بريطانيا بنسبة 8% خلال هذه السنة، مما يعني عودتها إلى نفس مستوى 2021 الذي شهد النصف الثاني منه ارتفاعا كبيرا في أسعار العقارات، بسبب الإقبال الكبير على شراء البيوت بفعل سعر الفائدة المنخفضة أيام جائحة كورونا.
ووضع بنك “لويدز” (Lloyds) سيناريو أسوأ عندما أعلن تخصيصه أكثر من 668 مليون جنيه إسترليني (الجنيه الإسترليني يساوي نحو 1.27 دولار)، بغرض تغطية تكاليف القروض التي لن يستطيع أصحابها أداءها خلال هذه السنة، بسبب ارتفاع سعر الفائدة والأقساط الشهرية لهذه الديون.
أما مكتب “مسؤولية الميزانية” التابع لوزارة الخزانة البريطانية، فقد توقع أن تتراجع أسعار المنازل بنسبة 9% خلال الفترة ما بين 2022 إلى 2024، قبل أن تعود للارتفاع سنة 2025.
ومما يزيد من تعقيد الوضع في قطاع قروض العقار، أن معظم الذين حصلوا على قروض بأسعار فائدة منخفضة خلال جائحة كورونا، سوف يجددون قروضهم لكن على أساس سعر فائدة مرتفع. وحذر المركز البحثي “كابيتال إيكونوميكس” (Capital Economics) من أن عشرات الآلاف من الأشخاص سيجدون صعوبة حقيقية في دفع الأقساط الشهرية لهذه القروض.
ويعتبر قطاع العقار في المملكة المتحدة ثاني أكبر قطاع عقاري في أوروبا بعد ألمانيا، وتقدر قيمته السوقية بأكثر من 250 مليار جنيه إسترليني (نحو 320 مليون دولار)، وهو ما يجعل أي هزة يتعرض لها هذا القطاع ضربة قوية للاقتصاد برمته.
لا مزيد من القروض
وأظهرت معطيات البنك المركزي أن حجم الأموال التي تم تقديمها على شكل قروض عقارية كانت في أقل مستوياتها خلال أبريل/نيسان الماضي، وذلك منذ أكثر من 20 عاما، باستثناء الفترة التي تزامنت مع بداية وباء كورونا. في المقابل، زاد ثقل الديون على المقترضين، حيث اضطروا لدفع 1.4 مليار جنيه إسترليني أكثر مقارنة بالمبالغ التي حصلوا عليها من البنوك، بسبب الزيادة المستمرة لسعر الفائدة.
وبحسب البنك المركزي، فإن أعداد القروض الممنوحة تراجعت من 51 ألفا و500 في مارس/آذار الماضي، إلى 48 ألفا و700 خلال مايو/أيار.
هذا الوضع سببه الرئيس نسبة التضخم المرتفعة التي لم تتراجع رغم الرفع المستمر لسعر الفائدة. وما زال معدل التضخم في بريطانيا في حدود 8.7%، وهو رقم أكبر من الذي كان البنك المركزي يأمل في الوصول إليه، مما يعني مواصلته رفع سعر الفائدة، بعد إقرار وزير الخزانة جيرمي هانت أنه ليس هناك بديل عن رفع معدل الفائدة.
ومباشرة بعد هذه الأخبار عن قرب زيادة جديدة في معدل سعر الفائدة ليصل إلى 5%، اضطر عدد من مؤسسات القروض لسحب عروض القروض، حيث تم سحب 10% من العروض التي كانت مقدمة خلال مايو/أيار، كما أعلن بنك “إتش إس بي سي” (HSBC) عن تعليق مؤقت لخدمة القروض بسبب عدم القدرة على توقع التغيرات التي ستطرأ على أسعار الفائدة خلال الأسابيع المقبلة.
وتشير توقعات مؤسسة “المملكة المتحدة للأموال” (UK Finance) -وهي تجمّع للمؤسسات البريطانية المالية- إلى تراجع قيمة الأموال الممنوحة للراغبين في شراء المنازل بحوالي 40 مليار جنيه إسترليني، وذلك من 171 مليار جنيه إسترليني سنة 2022 إلى 131 مليار جنيه إسترليني في 2023، بعد أن وصل هذا الرقم إلى مستوى قياسي سنة 2021 واقترب من 190 مليار جنيه إسترليني.
سكاي نيوز
الجزيرة