في الشمال والوسط والشرق تنوع قبلي كبير، كما أن هناك تهميش وفقر. ولكن سر استقرار هذه المناطق هو خلوها من الحركات الثورية المسلحة القائمة على أساس العرق أو الاثنية، فخلال ٣٠سنة من حكم الكيزان، لم يقم شخص ما بتسليح أبناء قبيلته لقتال الحكومة، ولو حدث هذا لرأينا قتالا مسلحا بين المليشيات الشمالية المسلحة فيما بينها وما ينتج عنه المزيد من الأحقاد ويطيل أمد الحرب.
وما جعل دارفور اقليما مضطربا بعد بروز النضال الثوري المسلح هو ارتباط القبائل بالأرض والحواكير، فالصراع يحدث بين قبائل لا تملك الأرض وقبائل تملكها، لو أن تقاسم الأرض كان أكثر مرونة ومرتبط فقط بشرط أن يكون إنسان دارفور سودانيا لكان ذلك أفضل.
مثقفوا الهامش بكسل يهربون إلى الأمام يتمسكون بدوغمائية لا يحسد عليها بطرح أبكر أدم إسماعيل عن جدلية الهامش والمركز من غير أن يحاولوا النظر إلى الواقع من زاوية أخرى، واهم شئ في هذه الزاوية هي النظر إلى الذات من واقع أنها سبب المشكلة وأن بيدها وحدها الحل، والمؤمن يعترف بتقصير ذاته ويلوم نفسه قبل أن يلوم الشيطان.
مناضلي الهامش أنفسهم يعترفون أن الشمال والوسط هامش، والسودان كله هامش. وإن كانت هناك جهة استفادت من أموال المركز فهي المليشيات القبلية من تسليح ومرتبات وبل يتم الدفع بسخاء لحركات النضال المسلح إذا ما وقعت اتفاقية سلام مع المركز كرشوة مقابل اسكات صوت البندقية.
الشمال والوسط فيه عنصرية، ولكنها عنصرية الغوغاء الذين لم يتقدم منهم أحد لعمل حركة مسلحة لمنازعة المركز في سلطانه. والحديث عن أن السبب أن الجيش يمثل قبائل الشمال والوسط إن صح فإن هذا لا يعني أن الجيش أداة طيعة لقبائل بعينها، فلا تنتفع قبيلة ضابط عظيم بإبنها بل هو ينتفع بالمؤسسة التي ينتمي لها وحده.
إن المصاب بمرض الملاريا لا يتشاجر مع شخص مصاب بالسل ويتوقع أن يجد علاجا، بل يبدأ العلاج بتشخيص المرض وشراء الدواء والبدء بتناوله.
مثقفي الهامش عليهم بدقة وأمانة بتشخيص مشاكل مجتمعاتهم وأن يتذكروا أن المؤمن يلوم نفسه قبل أن يلوم الشيطان.
ما حدث في الجنينة مثال على أن الشيطان إن لم يجد ضعفا في النفس وتضخم في الأنا والهوى لما وجد مدخلا.
Talal Altayib