يشتكي الناس هذه الأيام من الجشع الذي أدى إلى مضاعفة أسعار سلع وخدمات أساسية. هذه الشكوى مفهومة وصحيحة لأن البعض يستغل أوضاع الحرب لتكديس الأرباح على حساب ضحاياها، وبالتالي يضاعف معاناة الضحايا.
لكن هذه ليست القصة كلها. فأن جزءا من الزيادة في الأسعار، وبالتأكيد ليس كلها، تبررها الندرة وزيادة تكلفة المدخلات مثل الوقود وقطع الغيار والإصلاح والصيانة والارتفاع العام في تكلفة المعيشة. كما ان ارتفاع المخاطر الأمنية لا بد ان ينعكس علي الأسعار نوعا ما وهذا من طبيعة اقتصاد السوق.
لكن الأهم من ذلك هو ملاحظة أن رفع الاسعار هو مجرد مكون طبيعي من مكونات السياسة النيوليبرالية التي تم تطبيقها بقوة خلال السنوات الأربع الماضية.
النيوليبرالية هي فلسفة توقف بموجبها الحكومة، أو تحد بشدة، من تدخلها في الاقتصاد وترفع الحماية عن الضعفاء وتسمح للأسواق بالحكم وتحديد سعر كل شيء، حتى لو كان ذلك يعني أن الحيتان تأكل الاسماك الصغيرة.
نعم، تخلق الحرب ظروفًا استثنائية تجعل استغلال احتياجات الناس أكثر قبحًا وأكثر وقاحة ولا انسانية، لكن النيوليبرالية هي النيوليبرالية والحرب لم تفعل سوي رفع القناع الخفيف عن وجهها القبيح.
عمليا لا فرق بين مضاعفة أسعار المواصلات قبل أو بعد الحرب. الاختلاف في ظروف الحرب وليس في رفع السعر في حد ذاته. إن الألم الذي عانى منه الفقراء نتيجة الارتفاع الشديد في تكلفة المواصلات والمعيشة في ظل نيوليبرالية ما قبل الحرب لا يختلف عن ألم ارتفاع الأسعار الرئيسية بعد الحرب. إذا كان هناك أي اختلاف، فهو ليس فلسفيًا أو نوعيًا، ولكنه مسألة درجة ومقدار وسياق الحرب المحزن.
السوق هو السوق ودع القوي يأكل الضعيف هو نفس المبدأ أثناء الحرب أو قبل اندلاعها. أحيانا يكون القرار الاقتصادي حربا على الضعفاء. الجوع هو الجوع سواء ان كان نتيجة لرصاص يطلق من فوهة قرار اقتصادي أو نتيجة لرصاص قادم من بنادق نجسة. وعدم الوصول للرعاية الصحية هو نفسه لو تسببت فيه الحرب أو أتي نتيجة لارتفاع التكلفة قبل الحرب.
في سودان ما بعد الحرب يجب تصميم السياسات الاقتصادية آخذين في الحسبان وقعها علي الطبقات الدنيا وهم الغالبية العظمي من الشعب حتى قبل الحرب.
معتصم أقرع