لو كان لدي مسدس لتحسسته كلما سمعت شخصاً يريد محاربة الفقر عن طريق العطايا والصدقات والذي منه فقديماً عندما كنا شباباً في أيام الحرب الباردة كانت تستهوينا مفردات مثل الاشتراكية العلمية والاشتراكية العربية والإفريقية والإسلامية والصراع الطبقي والذي منه كنا نطرب لعبارات مثل العدالة الاجتماعية وعبد الناصر والناصرية ومحمد باقر الصدر واقتصادنا ثم التنمية المتوازنة الشاملة وكرهنا ماكنمارا عندما طرح فكرة التركيز التنموي وهتفنا لن يحكمنا البنك الدولي (الله لا كسب الذي تسبب في إضعاف الحزب الشيوعي وأدبياته).
تعال شوف اليوم العلينا دا فقد استبدلت بضاعتنا تلك ببضاعة أخرى مفرداتها مكافحة الفقر والصندوق العلاني والمؤسسة الفلانية والرعاية الاجتماعية وتخفيف حدة الفقر وإزالة الآثار الناجمة عن الفقر والذي منه إن الفرق بين البضاعة الجديدة وبضاعتنا القديمة ليس فرقاً في المفردات أو حذلقة لغوية إنما الأمر أعمق من ذلك فمفردات وعبارات الفقرة الأولى أعلاه تنم عن ثورية حقيقية لمعالجة الفوارق الاجتماعية وظلم الإنسان لأخيه الإنسان إنها تدعو الدولة للتدخل في الأمر وبوضع سياسات كلية هيكلية عادلة لا تميز بين المواطنين إلا من حيث الأهلية الفردية بينما المفردات الطالعة جديد تستجدي العطف على الفقراء والضعفاء ولاتعتبرهم من مظاليم السياسات التي تضعها الدولة التي يديرها الذين يملكون ويفرضون سلطتهم وخياراتهم على الذين لايملكون.
بعيداً عن التجريد والكلام النظري الكثير فلننظر اليوم للمؤسسات القائمة في بلادنا لرعاية أحوال الفقراء الذين تفوق نسبتهم الخمسين في المية ببعض المقاييس وتصل التسعين بمقاييس أخرى فهناك وزارات الرعاية الاجتماعية ومؤسسة الزكاة والصناديق التكافلية وجمعيات طوعية عالمية ومحلية وجمعيات أهلية وتمويل أصغر ومشاريع صغيرة تدعمها جهات مختلفة ومع ذلك الفقر كل يوم في ازدياد لا بل تلك المؤسسات أصبح يعتاش منها القائمون عليها على حساب الفقراء الذين قامت لأجلهم فما من مؤسسة قامت إلا وتجد تكلفتها الإدارية تأخذ نسبة كبيرة من تمويلها.
محاربة الفقر أيها السادة طريقها واحد وهو السياسات الكلية التي تضعها الدولة ففي حالة السودان ما تصرفه الدولة على القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني هو الذي يحارب الفقر إذا كان إنفاقاً كافياً ومرشداً بعبارة أخرى إقامة المشاريع الزراعية والتصنيع الزراعي وتحسين القطيع القومي والتصنيع الحيواني أي زيادة الإنتاج وإدخال أكبر عدد من المواطنين في دولاب الإنتاج الأرض الخصبة الماء العذب البشر كل مدخلات الإنتاج موجودة لكن الدولة هي المقصرة لأنها تنفق الأموال في غير المشاريع الإنتاجية تنفقها في الفارغة فعلى المدى القريب يمكن للدولة أن توقف الحرب وتوفر المصاريف الأمنية وتعدل هياكل الحكم المترهلة وتبطل الزيارات والمهرجانات والكرنفالات وكل الهرج والمرج وتحول الأموال دي إلى مشاريع إنتاجية وعلى المدى البعيد تضع برنامجاً تنموياً شاملاً ينهض بالأمة ويقضي على هذه الفوارق بين بني البشر فيها فالفقر ليس فقراً مادياً فقط إنما يشمل أشياء كثيرة.
أها نجي للإنفاق والصدقات والذكوات والذي منه فالوضع الطبيعي أن يكون هذا أمراً فردياً بحتاً من القادر لغير القادر مباشرة فالفقر الفردي لن ينتهي إلي يوم يبعثون فبالضرورة أن يكون هناك أفراد محتاجون لظروف خاصة بهم كما أن قيم الخير مركوزة في الإنسان إلى يوم يبعثون فلو انهينا هذا الفقر الجماعي فلا داعي للإنفاق المؤسسي فنتمنى أن يأتي يوم يرجع الإنفاق لطبيعته البشرية من الإنسان الفرد القادر للإنسان الفرد العاجز ومن سكات وبدون بهدلة وشيل حال وإراقه ماء وجه .
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]