مبادرة الإيقاد الساعية لعقد لقاء بين البرهان وحميدتي تتضمن إلى جانب وقف إطلاق النار وفتح المسارات الآمنة، استجلاب قوات من الخارج للفصل بين الجيش والمليشيا، وذلك حسب إفادة وزير خارجية كينيا للجزيرة، وتتضمن أيضاً إشراك ما يُسمى بالقوى المدنية في التفاوض في المرحلة الثالثة، بعبارة أخرى إدخال حلفاء المليشيا من قحت وقوى الاتفاق الإطاري.
هذه مبادرة تآمرية بامتياز؛ فموقف كينيا عموما هو موقف عدائي تجاه السودان منذ أيام تمرد حركة جون قرنق، وهي عبارة عن وكيل غربي في شرق أفريقيا وظلت بوابة لاختراق السودان عبر الورش الموجهة بواسطة منظمات القوى الغربية الاستعمارية حيث تم تدريب وتجهيز النشطاء لسنوات قبل ثورة ديسمبر وبعدها.
أسوأ ما في المبادرة بالطبع هو إدخال قوات أجنبية إلى السودان للفصل بين الجيش والدعم والسريع؛ أي للفصل بين الجيش وفصيل تابع له وتمرد عليه؛ وهو انتهاك صارخ للسيادة وسيكون له ما بعده؛ فبعد دخول هذه القوات ستكون هناك عملية سياسية؛ عودة مرة أخرى إلى الاتفاق الإطاري أو ما هو أسوأ منه، في ظل وجود قوات أجنبية على الأرض، ومن غير المستبعد أن نرى فولكر الذي يقيم حاليا في نيروبي عاصمة كينيا في مقدمة الجيش الغازي وتحت حمايته ليعود ويواصل إشرافه على العملية السياسية رغم أنف الحكومة السودانية.
إذا قبل البرهان بلقاء حميدتي في إطار هذه المبادرة فهو سيعزز بذلك الشكوك حول تواطؤه مع المليشيا وعدم رغبته في حسم المعركة والإشاعات الكثيرة حوله. ففي أي حرب يكون القاء بين القادة هو المرحلة النهائية وكتتويج لاتفاق كبير وحاسم وليس كأول خطوة. فهذه المليشيا المتمردة ما تزال سادرة في إجرامها وفظائعها ولم تقدم أي خطوات تدل على نيتها التراجع عما تقوم به، فكيف يلتقي رأس الدولة هكذا بكل بساطة بقائدها (على افتراض أن ما يزال حيا، وهو ما سنعرفه أن تم هذا اللقاء) وسط كل هذه الانتهاكات، دون أن يكون هناك أي اتفاق من أي شكل حول إنهاء احتلال الأحياء السكنية ومرافق الخدمات مع استمرار جرائم القتل والنهب وغيرها.
شخصيا سمعت الكثير من نظريات المؤامرة حول البرهان، ولكني أفضل عدم تصديقها وحسن الظن به رغم كل شيء. ولكنه على أية حال سيرتكب خطئا فادحاً إن سار في اتجاه إعادة المليشيا بأي شكل رضوخاً وخوفاً أو طمعاً أو سوء تقدير، النتيجة في النهاية واحدة.
ومع مرور الوقت على العموم وبغض النظر عن مبادرة الإيقاد وغيرها، تتزايد الشكوك لا في مقدرة البرهان قائد الجيش في حسم هذا التمرد في ظل المؤشرات القوية على ضعف المليشيا وتفككها وإنما حول رغبته وجديته في ذلك.
حليم عباس