وادي حلفا- بطريقة غير مباشرة، أغلقت مصر منافذها البرية في وجه آلاف السودانيين الذين وصلوا أو كانوا مستعدين للسفر إلى الجارة الشمالية هربا من جحيم اشتباكات مستعرة منذ ما يزيد على 50 يوما.
ولم تشفع اتفاقية “الحريات الأربع” الموقّعة بين البلدين للسودانيين، بعد أن جمدت السلطات المصرية أبرز بنودها المتصلة بإلغاء تأشيرات الدخول للأطفال والنساء والرجال فوق 50 عاما.
ومنذ العاشر من يونيو/حزيران الجاري، أصبح على السودانيين من جميع الفئات الحصول على تأشيرة دخول لمصر، حيث تعمل قنصليتان فقط على إصدارها في كل من مدينة وادي حلفا، أقصى شمال السودان، وبورتسودان بولاية البحر الأحمر شرقا.
ويتطلب الوصول إلى بورتسودان رحلة برية طويلة وشاقة، وسط درجات حرارة مرتفعة للغاية فاقمت معاناة الفئات الضعيفة التي عادة ما تقصد مصر للعلاج، قبل أن تتحول الأخيرة إلى وجهة لآلاف الهاربين من الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
إجراءات مسبقة
وقبل صدور قرار إلزام السودانيين بالحصول على التأشيرات، طبقت الحكومة المصرية إجراءات مشددة تعذّر بموجبها دخول الحاصلين على وثائق سفر اضطرارية، أو إضافة الأطفال لجوازات سفر الأمهات، إلى جانب عدم التعامل مع الوثائق المنتهية الصلاحية التي تم تمديدها بخط اليد، وهي إجراءات اعتمدتها السلطات السودانية لتسهيل سفر مواطنيها في ظل تعطل خدمات الجوازات بوزارة الداخلية.
ورصدت الجزيرة نت تعاملا حاسما من موظفي الجوازات في معبر أرقين الحدودي، حيث يتم إيقاف الحافلات خارج المعبر المصري لساعات طوال، ويصعد خلالها موظفو الجوازات إلى الحافلة لمراجعة وثائق السفر، ويتم إنزال المخالفين داخل الأراضي السودانية.
وبالفعل أعيدت الأسبوع الماضي عشرات الأسر ومُنعت من الدخول بعد وصولها المعبر الحدودي، وهو ما أدى إلى تكدس أعداد كبيرة من العالقين في معبر أرقين في ظروف مناخية وإنسانية بالغة القسوة.
عالقون بلا رجعة
تقول سيدة علي للجزيرة نت، وهي تفترش قطعا من الورق المقوى، إنها مكثت في المعبر لأكثر من 10 أيام بعد إيقاف الدخول لمصر بالوثيقة الاضطرارية. ولا تدري ماذا تفعل، فالرجوع إلى منزلها بالخرطوم فيه مخاطرة كبيرة، كما أن ما كانت تدخره من مال للبقاء في القاهرة بدأ في التناقص مع طول البقاء في المعبر في ظل حاجتها لشراء المستلزمات الأساسية من الطعام والمياه المرتفعة الثمن في تلك المنطقة.
وغير بعيد عن سيدة علي، جلست أسرة مكونة من 5 أطفال أعيدوا أيضا بسبب إضافة طفلين لجواز سفر الوالدة. ولا تجد هذه الأسرة من يعينها على العودة بعد أن عبرت بقية العائلة الكبيرة إلى مصر.
وتأمل والدة الأطفال الخمسة، في حديثها للجزيرة نت، أن تعدل السلطات المصرية عن قراراتها، ومنحها استثناءً للدخول، وتقول إن عودتهم للخرطوم شبه مستحيلة بعد احتلال عناصر الدعم السريع منزلهم.
وتروي المرأة كيف أنهكتها الرحلة الطويلة من الخرطوم لمعبر أرقين، حيث علقوا لساعات طوال في الطريق بعد تعطل الحافلة التي كانت تقلهم، كما استغرقت الرحلة بعد ذلك يومين لتُفاجأ بإيقاف سفر الأطفال المضافين.
وإذا حُلّت مسألة إضافة الأطفال الثلاثة للوثائق، سيتعيّن على الأم السفر لوادي حلفا للحصول على تأشيرة دخول، وهو أمر غير ممكن أيضا بالنسبة لها، فلا قِبل لها بالسفر وتكاليفه بمعية أطفالها. وتضيف أنها ستنتظر قدرها فقط، أو إلغاء قرار منع دخول السودانيين من دون تأشيرة.
تنظيم أم تقييد؟
ودفع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الذي اشتعل في 15 أبريل/نيسان الماضي بأكثر من مليون سوداني للفرار في رحلات نزوح داخلي أو لجوء لدول الجوار.
وحسب مصدر دبلوماسي تحدث للجزيرة نت، فإن القيود التي فرضتها مصر على السودانيين تخالف بنود اتفاق “الحريات الأربع” الذي منح مواطني البلدين حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك. واعتبر المصدر الخطوة إعلانا بعدم الرغبة في استقبال مزيد من السودانيين.
في المقابل، بررت وزارة الخارجية المصرية -على لسان المتحدث الرسمي باسمها- الإجراءات الجديدة الخاصة بدخول السودانيين بأنها محاولة للتنظيم، وليس التقييد.
وقال المتحدث -في تصريح صحفي أمس السبت- إن السلطات المصرية “رصدت أنشطة غير قانونية يقوم بها أفراد، على الجانب السوداني من الحدود، بتزوير تأشيرات الدخول إلى مصر بغرض التربح”. وأضاف أن “السلطات المصرية استحدثت إجراءات تنظيمية تعتمد التأشيرات لمواجهة تلك الجرائم”.
وذكر المتحدث أن بلاده استقبلت حتى الآن نحو 200 ألف سوداني، إضافة إلى نحو 5 ملايين موجودين في مصر من قبل نشوب المعارك.
الإمارات أيضا
ولا يقتصر تشديد الإجراءات على مصر، إذ أوقفت الإمارات أيضا إصدار التأشيرات السياحية للسودانيين، وهو إجراء أثار ردود أفعال واسعة، ولا سيما وسط من غادروا إلى الإمارات عبر مطار جدة وباتوا عالقين.
لكن تدخلات السفارة السودانية في أبو ظبي أسهمت في دخول 133 من العالقين القادمين من القاهرة وجدة وبورتسودان وأديس أبابا وغيرها.
وقالت القنصلية العامة في دبي، في تصريح صحفي، إن القنصل العام أجرى اتصالا بمدير الهيئة الاتحادية للإقامة وشؤون الأجانب الإماراتي أحمد المري، وتمت الموافقة على دخول 74 سودانيا، في حين تتواصل المساعي لإدخال 49 آخرين من العالقين.
سكاي نيوز
الجزيرة