مدارات

التدخل العسكري المصري في السودان سيكون ضرورة حتمية

سلطت الباحثة بمركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، أمل محمود، الضوء على تداعيات الأزمة السودانية على مصر، مشيرة إلى أن سيناريو انتصار قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، “هو الأصعب” على القاهرة، ويجب أن تستعد له.
وذكرت أمل، في تحليل نشرته بموقع المركز، أن اشتداد وتيرة الحرب بين الأطراف المتنازعة، المتمثلة في الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، فضلاً عن خرق الهدن أكثر من مرة بين الطرفين منذ بداية الأزمة في منتصف أبريل/نيسان الماضي، تطرح تساؤلات عدة حول وقوف مصر مكتوفة الأيدي وسط نزوح متوقع بالملايين من السودانيين في ظل أزمة اقتصادية طاحنة على الشعب المصري.
وأضافت أن السودان يعد، بالنسبة إلى مصر، مسألة أمن قومي، واستقراره يعني بالضرورة استقرار الحدود الجنوبية لمصر، واستمرار الاقتتال في الخرطوم يعني أن القاهرة على مشارف حالة من عدم الاستقرار الداخلي، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي.

وبجانب المشكلات الاقتصادية التي تعانيها مصر؛ من ارتفاع سعر صرف الدولار، وارتفاع نسبة التضخم، وانخفاض التصنيف الائتماني لها، فالقاهرة معرضة لخسارة شريك تجاري مهم، تصل نسبة التبادل التجاري معه إلى 18.2% من مجمل التجارة المصرية، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
ونتيجة هذا الوضع الاقتصادي العصيب أصبح الموقف المصري حرجاً للغاية؛ فعلى الرغم من العلاقات الوطيدة بين مصر ومجلس السيادة الانتقالي بالسودان بقيادة البرهان فإن مصر لم تتدخل تدخلاً مباشراً في الأزمة، وهذا ما أشار إليه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع بداية الأزمة واحتجاز الجنود المصريين من قبل قوات الدعم السريع، إذ أوضح أن مصر تعد ما يحدث في السودان شأناً داخلياً، داعياً الأطراف إلى التفاوض لإنهاء الصراع.

وترى أمل محمود أن هذا الموقف المحايد يعود إلى أن مصر محكومة في تعاملها مع الأزمة السودانية بعلاقتها مع دول أخرى إقليمية صديقة لمصر وداعمة لقوات حميدتي، ولكن مع استمرار تصاعد الأزمة سيكون من غير المستبعد أن تتدخل مصر في المشهد، سواء سياسياً أو عسكرياً، خاصة أن الأزمة منذ اشتعالها تحاول جر الجانب المصري، سواء باحتجاز قوات الدعم السريع لجنود من القوات المسلحة المصرية أو بعد مقتل فرد من أفراد البعثة الدبلوماسية المصرية في السودان.

سد النهضة
وعلى المستوى الأمني يعد السودان شريكاً لمصر في عدد من القضايا الأمنية، أهمها قضية سد النهضة، واستمرار الصراع يزيد من تعقد الملف، الذي يزداد خطورة على دولتي المصب (مصر والسودان) مع قرب الانتهاء من ملء بحيرة السد، إذ إن ارتباك المشهد السياسي بالخرطوم يُضعف أي تحفظات سودانية على الملء الرابع الذي تستعد إثيوبيا لتنفيذه، وهو ما يزيد من الأعباء الواقعة على الجانب المصري في تحركاته الدبلوماسية في هذا الملف.
وينذر تقارب حميدتي مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بخطر جسيم على مستقبل المفاوضات المصرية الإثيوبية بشأن سد النهضة، حسبما ترى الباحثة، خاصة في حال انتصار حميدتي وسيطرته على الوضع في السودان؛ إذ سيصبح من غير المستبعد أبداً تحرك السودان تحت قيادة حميدتي أحادياً في الملف، والحصول على اتفاق مع الجانب الإثيوبي فيما يخص الحصة السودانية من تدفقات نهر النيل دون الاهتمام بمصالح الجانب المصري.

وعلى المستوى الإنساني، فبعد تقديرات الأمم المتحدة لعدد النازحين، الذي بلغ نحو 10 ملايين شخص، ستكون مصر أول دول الجوار التي تستقبل أعداداً كبيرة من السودانيين، وهو ما حدث فعلاً على مدار الأسابيع الماضية منذ اندلاع الأزمة.

فمصر تستقبل حالياً آلاف السودانيين، ويتوقع ازدياد الأعداد خلال الفترة المقبلة، ما ينذر بكارثة إنسانية للسودانيين في مصر، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعانيها، وهو ما سيؤثر أيضاً في المُقابل على الاقتصاد المصري ويحمله فوق طاقته.
أما اقتصادياً فالسودان يعد بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، فضلاً عن أنه المورد الأساسي لمصر من حيث السلع الاستراتيجية المهمة؛ كالمواشي واللحوم الحية، إذ تمد الخرطوم القاهرة بنحو 10% من احتياجاتها من هذه السلعة، ما يزيد من الضغط على أسعار اللحوم محلياً، خاصة مع قرب موسم عيد الأضحى المبارك، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم.
وهنا تشير أمل محمود إلى أن قيمة الصادرات المصرية للسودان بلغت العام الماضي نحو 929.2 مليون دولار، وفي ظل عدم الاستقرار الداخلي للسودان ستكون هذه القيمة على المحك.

السيناريو الأصعب
وأضافت أنه مع إصرار الطرفين على المواجهة العسكرية، ومحاولة كل طرف إقصاء الآخر من المشهد، فانتصار حميدتي سيكون السيناريو الأصعب بالنسبة لمصر بالتحديد؛ فأول ما سيفكر فيه قائد قوات الدعم السريع هو اكتساب الشرعية داخلياً، وتوحيد الشعب وراء قضية قومية تضمن الاستقرار الداخلي، وهذا لن يتأتى إلا بتوجيه أنظار السودانيين نحو مصر، وتحديداً نحو منطقتي حلايب وشلاتين.
ويعني ذلك أن انتصار حميدتي في الصراع الدائر بالسودان ينقل المعركة إلى مصر، وهو ما يعني عدم استقرار حدودها الجنوبية، فضلاً عن تدفق اللاجئين السودانيين، وهو أمر خطير للغاية يهدد الأمن القومي المصري فيما يتعلق بموجة إرهاب جديدة.
فمن الممكن أن تحوي تلك التدفقات خلايا إرهابية نائمة، وقد يلجأ إليها حميدتي للضغط بها على مصر لتسليم حلايب وشلاتين.

ولهذا ترى أمل محمود أن التدخل العسكري المصري ضرورة حتمية الآن أو مستقبلاً إذا ما آلت الأمور إلى تفوق قوات الدعم السريع على الجيش السوداني.
وتشير الباحثة إلى أن الوضع حالياً في السودان يعد صراعاً للحصول على السلطة، وأفضل سيناريو لانتهاء تلك الأزمة سيكون هو السيناريو السيئ بالنسبة للشعب السوداني، الذي يعاني الآن من ويلات الحرب بعد تدمير مرافق البنية التحتية لديه، وانقطاع الماء بعد سيطرة قوات الدعم السريع على محطة المياه الموجودة بالقرب من جسر الملك نمر الواقعة على النيل، والتي تمد الخرطوم بالمياه الصالحة للشرب، وهو ما ينذر بازدياد عدد الوفيات بين المصابين نتيجة عدم توفر المرافق للتدخل بالإسعافات الأولية، فضلاً عن سيطرة قوات حميدتي على مصفاة النفط الرئيسية بالخرطوم التي تزود العاصمة بالطاقة.

على الجانب الآخر فالجيش السوداني متمركز بشكل يحيط بقوات الدعم السريع، ويساعده على ذلك القوات الجوية التي تفتقر إليها قوات الدعم السريع التي تعاني أيضاً في ظل نقص الإمدادات اللوجستية، ما يعزز تفوق الجيش السوداني في ميدان المعارك.
وإن كانت قوات الدعم السريع حاولت قلب المشهد لمصلحتها في البداية من خلال التحركات الخارجية، وبيع رواية أن الجيش السوداني يضم عناصر إخوانية، وهو ما يُكسبها شرعية دولية تبرر بها انقلابها، فإن تفوق الجيش ميدانياً، وضعف قوات الدعم السريع، وخيانة بعض عناصرها وتسليمها مواقعها للجيش، كما جاء على لسان حميدتي في أحد تصريحاته المتلفزة، حمله على الموافقة على الجلوس مع البرهان على طاولة المفاوضات في جدة.
وفعلاً تمكنت الوساطة الأمريكية السعودية من التوصل إلى اتفاق مبادئ أولي يلزم الطرفين بالامتناع عن أي هجوم عسكري قد يتسبب بأضرار للمدنيين، بما يعرف بـ “إعلان جدة”، الذي عقد في 12 مايو/أيار الجاري، وبموجب هذا الاتفاق يسمح الطرفان للمدنيين بمغادرة مناطق الصراع وحماية الاحتياجات اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، وحماية المرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية، فضلاً عن بنود أخرى تحمي المدنيين وتهيئ لبدء التفاوض حول هدنة.

وإزاء ذلك، تخلص الباحثة إلى أنه من الصعب تحديد توقيت لانتهاء الحرب المشتعلة في السودان، لأن أي طرف من طرفي الصراع غير قادر على حسم المعركة حالياً، فالصراع معقد، وهناك عدد من العوامل التي تسهم في استمراره؛ كدعم الأطراف الخارجية، وقوة كل طرف من الأطراف المتنازعة، ومستوى الدعم الدولي للحكومة المدنية، واستعداد الجيش لتقديم تنازلات، وطول أمد الصراع يجعل من الصعب التنبؤ بنتيجة الأزمة الحالية في السودان.

“صحيفة البشاير”