زمن العجائب.. «جني عنده سكن في عمارة في خنشلة، وأنا والله ليس لي بيت، أليس في بلاد العجائب»!
هكذا كتب سامي بوقرة على صفحته على فيسبوك. ولأنه العجب العجاب، تطرقت عدة صفحات للراقي، الذي طلب مبلغا كبيرا جدا للتنقل من منطقته لإخراج الجنية! صدق أو لا تصدق، 200 مليون هو المبلغ الذي حدده أحد الرقاة لينتقل من «بسكرة» إلى «خنشلة» لإخراج الجنية من العمارة في «تاوزيانت». ثم ما أدرانا أنها جنية أنثى وليس ذكرا، كما عبر عن ذلك أحد رواد الفيسبوك «كما قال عمي عبد القادر زوخ الله سبحانه خلق الذكر والأنثى، يعني «كل الشعب تحول إلى أطباء توليد» وشر البلية ما يضحك.
قصة الجنية، التي أخذت أبعادا كبيرة عبر وسائل الإعلام السمعي والبصري ومنصات التواصل الاجتماعي، انقسمت حولها آراء المتابعين إلى ثلاث فئات، فئة غير مصدقة بما حدث، مع فكرة الإيمان بالجن، كما جاء في القرآن والسنة. وفئة تبين أن مثل هذا «الإيمان» أو الاعتقاد يوضح ابتعاد الناس عن الكتاب والسنة. وفئة ثالثة تحاول دحض الفكرة علميا وفيزيائيا.
شريف مسعودي، حسب ما جاء على صفحته، لا يكذب تماما ما حدث، لكن يعطي له أسبابا، منها «حسب معرفتي البسيطة والمتواضعة فإن الذي حدث في خنشلة هو أمر ممكن أن تفعله الجن، وحتى وإن كنا لا نجزم تماما أنه أمر جن، قبل التحقق من بعض الأمور، إلا أن الجن يستطيعون فعل هذا، فإذا افترضنا أنه أمر من الجن، فإن سبب حدوثه لا يخرج عن ثلاثة احتمالات: أولا، قد يكون بسبب عملية استحضار لأحد أكابر الجن أو ملوكهم، من طرف ساحر.
ثانيا، قد يكون الاستحضار تم بطريق خطأ، كأن يعثر أحد على طلسم استحضار الجني، وربما يقرأه ويكرر قراءته، وهو لا يعلم أبعاد ما يفعل فيحضر الجن، دون أن يدري ما فعل.
وثالثا، وهذا الاحتمال أكثر واقعية، وهو أنه يستغل الجن أذيتهم، وربما يريدون إخراج البشر من مساكنهم ليسكنوها.
وهناك احتمال آخر، لا يمكن استبعاده، وهو هذه الألعاب، التي يتم تنزيلها على الهواتف النقالة، فمنها ألعاب خلال ممارستها يطلبون من المشترك القيام ببعض الأمور كجزء من اللعبة، لكنها في الحقيقة طقوس لاستحضار الجن، ومن ثم سيطرة الجن على ذلك الشخص، أو حلوله في المكان وبقاؤه فيه. ولعبة «السمك الأزرق» منذ سنوات وما فعلته بالمراهقين خير دليل».
أما أحمد سالمي، فوضح في منشور على صفحته على فيسبوك ما أسماه «الخزعبلات» قائلا: «العلم لم يثبت وجود الجن إلى حد الآن. نعود إلى القرآن الكريم، يقول «خلق الجن من مارج نار»، هنا يدخل العلم ليوضح الأمواج التي تصدر من النار هي أمواج كهرومغناطيسية، الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، لقد خلق الإنسان من تراب، نعم لو نقوم بتحليل جثة الإنسان نجد فيها الأملاح المعدنية الموجودة في التراب مثل: الكالسيوم، الفوسفات، النتروجين، الكربون. الإنسان خلق من تراب، والجن خلق من مارج من نار. هنا نوضح أن الله واضح في القرآن وأنه لا سلطة للجن على البشر. الأمواج الكهرومغناطيسية، التي منها الجن تؤثر على جسم الإنسان، قد تسبب له سرطانا أو ضررا ما، أما أن تتكلم معه أو تصدر أصواتا أو أن تحدث نيرانا، فهذا لا يحدث إطلاقا». ويواصل بالدليل من القرآن على أن الإنسان أقوى من الجن، بدليل أن الله أمر الجن والشياطين أن يسجدوا لآدم «لعظمة ما خلق الله، ألا وهو الإنسان، وأضعف كائن هو الجن، يكفي زفير هواء يحطمه بكل بساطة». وحسب رأيه لا يعدو الأمر أن يكون مجرد «جهاز تسجيل مخبأ في أحد جدران السكن يطلق هذه الأصوات المسجلة مسبقا»!
على صفحة كتب محمد بان منشورا فيه فكاهة ومرارة على حال المجتمع، وما وصل إليه «فيديو تاع الجنية في خنشلة، والراقي يرش في الماء والغاشي يتفرج عادي، هي تبدو لقطة فكاهة، صح كي تتفكر بالسحر والجن في الجزائر راكب على 99 في المئة من المجتمع»! ومحمد، يقر بوجود السحر، لكن الشيء الذي يحز في النفس هو أن السحر في الحضارات الأخرى، كما قال ليس مثل سحرنا». مستواه عال والهدف منه قوي وبعيد عن سحرنا ويدخل في منطق تطوير الذات والمجتمع، حتى المجانين في المجتمعات العقلانية عندما يهذون «يخرطوا» على السحر يحكون عن «السحر الأسود» أو «الكابالا» عند اليهود، ويحكون عن كيفية تسخير الجن لكي يتصنتوا على البورصات في العالم وصفقات السلاح بين «بوتين» و»الياكوزا»، وكيف يساعد الجن العلماء لكي يفككوا ويحلوا مسائل فيزيائية وكيميائية معقدة. بينما السحر عندنا هو قصد أعمال صغيرة دنيئة، مثل أن «تتصل بك واحدة تعيش على اقتصاد الريع وتطلب منك أن تشتغل حارسا على قفل وضعته في قبر وضعته لصديقتها، أو أن تتخيل نفسك كما قال صاحب المنشور جنّيا في شمال افريقيا لديك مهمة لتعوم أو تسبح في إبريق شاي مليء بالبول ومهمتك هي كيف ترغم «جمال» على كره والدته»؟!
الأفضل أن يسكن «الجني» بيتا من أن يسكن عقولنا، مثلما هي الشعوذة المعششة في عقول الأكثر تنويرا، وتسيل هدوء ونعومة بين المؤسسات والمكاتب الفخمة. هكذا نحن نسخر من الجني الذي يسكن المكان والذي يؤمن به عامة الشعب، ونبتسم ونصمت عن الجنون والشياطين الذين يسيرون الأمور المهمة في حياتنا. قد يكون مخترع رواية الجن في «شقة خنشلة» لغرض في نفس يعقوب، وهو الاستيلاء عليها، لكن ماذا عن «المؤسسين» لنظام «مروع» من ممارسة الشعوذة للخلود في المناصب ويؤدون طقوس «الساكتة والمسكوتة» و»التفريق بين المرء وزميله». نحن مجتمع ننام على بركان من قيم كان لها منطقها ومساحات لممارستها، لكن اليوم عصفت بأعتى المؤسسات الفكرية والعقلانية. كتب «فاطمي ساعد بن عبد الرحمن» عن «جنية خنشلة» والله لا أعلم إن كانت جنية أو إنسيا متخفيا بأفعال الجن) أولا لا بد من تثبيت عدة حقائق أولها أن الجن عالم موجود بنص الكتاب والسنة، ثانيا أننا لا نستطيع رؤية الجن إلا إذا تمثل بصورة إنسان أو حيوان. أقول لأن الناس مولعون بالعوالم الخفية وكأنهم يريدون أن يكتشفوا وجود الخالق أو عظمته من خلال تلك العوالم المخفية. الناس إذا سمعوا خبرا لا يحلو لهم نقله إلا إذا زادوا فيه ما ليس منه فيجعلون من الحبة قبة، ومن النملة جملا»!
ويضيف صاحب المنشور، في نقطة ثالثة متسائلا «ما قصة هذا الجني او الجنية، الذي يجعل من نفسه فرجة للناس فيقصدونه لمشاهدة عرسه أو سماع صوت من كل حدب وصوب؟
وأضاف «لا بد قبل التفكير في أن للموضوع علاقة بالجن من التفكير في جميع الاحتمالات، فقد أعجبني رأي أحد الرقاة، قال قبل أن يتدخل الرقاة لا بد من قطع السبل أمام جميع من له مآرب أو غاية. لا بد من تدخل فرق تقنية للبحث عن مصدر الصوت، فقد يكون جهازا مخبأ بإحكام، لا بد من قطع الكهرباء مدة طويلة، فقد يكون الجهاز يعمل بالكهرباء مثلا. قد يكون أحد جن الإنس هو من يفعل ذلك لغاية في نفسه يريد قضاءها. المهم لا تصدق كل ما تسمع ولا كل ما تشاهد. ولا ينبغي للسلطات ترك الأمور على عواهنها، لا بد من التدخل وحسم الأمور».
“القدس العربي”