استثمارات دول الخليج بالسودان.. حجمها ومصيرها

أكثر من 50 مليار دولار من الاستثمارات الخليجية في السودان خاصة في القطاع الزراعي، أصبحت مهددة مع تصاعد القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

وإذا طالت حرب السودان التي اندلعت منتصف أبريل/نيسان الماضي، فمن شأن ذلك أن يرفع فاتورة الغذاء في دول مجلس التعاون الخليجي التي قفزت من 25.8 مليار دولار في عام 2010 إلى 53.1 مليار دولار عام 2020، وفق تقرير مركز “تريندز للبحوث والاستشارات”.

ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تضاعفت أسعار الغذاء، خاصة وأن البلدين من كبار مصدري الحبوب في العالم، وإذا توقفت صادرات الغذاء السودانية من التدفق إلى السوق الخليجية فإن الأزمة ستصبح مضاعفة.

لماذا استثمرت دول الخليج بالسودان؟
لجأت الدول الخليجية للاستثمار الزراعي في السودان لما يتوفر عليه من أراض خصبة ومياه وفيرة ومناخ متنوع، بينما تعاني هذه الدول من شح الموارد المائية ومناخها الصحراوي الجاف ومحدودية المساحات الصالحة للزراعة وقلة المراعي.

وتستورد دول الخليج الجزء الأكبر من غذائها من الخارج بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي الذي يستنزف كميات كبيرة من مياهها الشحيحة، خاصة محاصيل الأرز، الذي يعتبر الوجبة الرئيسية في المنطقة.

في حين يمثل الاستثمار في السودان الخيار الأكثر نجاعة من الناحية الاقتصادية، نظرا لانخفاض تكلفته، بسبب وفرة المياه والأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة.

يضاف إلى ما سبق، قرب المسافة مقارنة بالأسواق الآسيوية أو أسواق أمريكا اللاتينية، ما يقلل تكلفة النقل وبالتالي تراجع السعر النهائي للمنتوج المستورد.

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية بالسودان أكثر من 175 مليون فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع)، أي أكثر من 18 ضعف مثيلتها في مصر، والتي لا تزيد عن 9.4 ملايين فدان.

أما بالنسبة للموارد المائية، فحصة السودان من مياه نهر النيل وإن كانت لا تزيد عن 18 مليار متر مكعب سنويا (حصة مصر 55.5 مليار متر مكعب)، إلا أن استهلاكها من مياه النيل لا يتجاوز 14 مليار متر مكعب سنويا، بينما لا يستغل 4 مليارات متر مكعب المتبقية، وفق مسؤولين سودانيين.

ناهيك عن كميات ضخمة من مياه الأمطار، التي تبلغ نحو 400 مليار متر مكعبٍ سنويا في المتوسط، ومياه جوفية، وعدد من السدود، وعلى رأسها سد مروي في الولاية الشمالية، أحد أكبر السدود في إفريقيا.

يضاف إلى كل ذلك، 52 مليون فدان من الغابات والمراعي، التي تسمح بتربية المواشي، والتي يفوق عددها 110 ملايين رأس، ويعمل نحو 80 بالمئة من السكان في القطاع الزراعي والرعي، لذلك يلقب السودان بسلة غذاء العالم.

أموال الخليج مع وفرة المياه والأراضي الزراعية في السودان، يكملان بعضهما البعض من أجل تحقيق الأمن الغذائي العربي، وهذا ما يفسر عشرات مليارات الدولارات من الاستثمارات الخليجية، وبالأخص في القطاع الزراعي.

استثمارات خليجية ضخمة
خلال الأعوام العشرة الأخيرة، استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي ما لا يقل عن 53 مليار دولار، الجزء الأكبر منها في القطاع الزراعي.

وجاءت السعودية في المرتبة الأولى باستثمارات بلغت نحو35.7 مليار دولار، تركز معظمها بقطاع الزراعة، حيث دعمت الاستثمارات السعودية 250 مشروعا في السودان.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بضخ 3 مليارات لمشروعات صندوق الاستثمار في السودان تليها دفعات أخرى.

كما تستورد السعودية كميات كبيرة من المنتجات الزراعية ورؤوس الماشية من السودان، خاصة في عيد الأضحى، وهذا ما يفسر وصول المبادلات التجارية بين البلدين إلى 8 مليارات دولار، وهو رقم يندر أن يسجل بين بلدين عربيين.

من جهتها تستثمر الإمارات 7 مليارات دولار بالسودان، منها 6 مليارات دولار في القطاع الزراعي.

الكويت هي الأخرى استثمرت بالسودان 7 مليارات دولار، لكن أشهر استثماراتها تعود لشركة زين للاتصالات؛ فيما استثمرت قطر 4 مليارات دولار في الزراعة وتربية المواشي والتعدين والعقارات.

ولا توجد أرقام توضح حجم استثمارات سلطنة عمان ومملكة البحرين في السودان، لكن سبق للبحرين أن حصلت على رخصة لاستثمار قطعة أرض زراعية مساحتها 100 ألف فدان منذ يونيو/حزيران 2013.

إلا أن المشروع تأخر تنفيذه رغم إقراره مجددا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وفق وسائل إعلام سودانية وبحرينية.

أما سلطنة عمان، فأعلنت في 2017 حصولها على أرض زراعية من السودان لاستثمارها في إنتاج الأعلاف الخشنة (حبوب الذرة الصفراء، والشعير، وفول الصويا) بالنظر للعجز الذي تعاني منه في إنتاج الأعلاف الحيوانية، والذي يقدر بنحو 47 بالمئة في 2016، والحد من استهلاك المياه الجوفية.

غير أن إعلام سوداني تحدث عن مساحات واسعة ممنوحة لشركات ودول عربية، لكنها لم تجد طريقها للاستثمار أو لم يستثمر سوى جزء منها.

الأمن الغذائي الخليجي مهدد
بفضل استثمار عشرات مليارات الدولارات في إنتاج المحاصيل الزراعية وأعلاف الحيوانات، بالإضافة إلى تربية المواشي تمكنت دول الخليج من تأمين حصة من أمنها الغذائي عبر السودان.

غير أن الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تهدد بشكل غير مباشر الأمن الغذائي الخليجي، وتعطل نشاط الاستثمارات في مناطق الاشتباكات.

فالأجواء السودانية مغلقة حتى نهاية مايو/أيار الجاري، والطريق المؤدية من الخرطوم إلى ميناء بورتسودان على سواحل البحر الأحمر خطرة ويصعب من خلالها شحن الصادرات الزراعية والحيوانية إلى دول الخليج وبالأخص السعودية، مع اقتراب موسم الحج والأضاحي.

ويتزامن توقف الصادرات الزراعية والمواشي السودانية نحو دول الخليج، مع ارتفاع أسعار الغذاء عالميا خاصة القمح والأرز، بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

هذا الوضع من شأنه أن يدفع دول الخليج إلى استيراد الحبوب والأعلاف والمواشي من أسواق بعيدة وبأسعار أعلى من نظيرتها بالسودان، ما سيرفع من فاتورة الغذاء بل من شأن ذلك أن يهدد الأمن الغذائي الخليجي.

وليس من المستبعد أن تلقي السعودية ودول الخليج ثقلها لتهدئة الأوضاع في السودان، وحماية استثماراتها واستئناف الصادرات الزراعية والمواشي، وأيضا الذهب الخام، لحماية أمنها الغذائي.

سكاي نيوز
الاناضول

Exit mobile version