برعونة يحسد عليها أضاع حميدتي فرصة ذهبية لتكون جمهورية السودان الحالية مركزا للإشعاع الحضاري للسودان الكبير الذي كان يمتد تاريخيا من ساحل البحر الأحمر شرقا إلى المحيط الاطلنطي غربا، على ذلك الشريط الممتد جنوب الصحراء، فقدامي المؤرخين قد ترجموا اللفظ الإغريقي “إثيوبيا” إلى بلاد السودان وتحت اسم السودان جمع قدماء المؤرخين العرب جميع الشعوب القاطنة جنوب الصحراء الكبرى مثل التكرور وغانة وصنهاجة.
إن الكثير من القبائل لازالت لديها امتدادات على طول دول هذا الشريط..كان يمكن عبر المشاريع الاقتصادية البينية من طرق برية وسكك حديدية وتبادل المنافع،كان يمكن أن يتكون شكل من أشكال الوحدة تكون سببا في نهضة هذا الإقليم عبر التدرج الطبيعي في العلاقات في جو سلمي معافى ولكن حميدتي غلبت عليه شقوته العنصرية وعصبيته القبلية فضيق واسعا لأطماع وطموحات شخصية استغلها الخبثاء في الخارج من الطامعين في ثروات المنطقة وخبثاء الداخل من عملاء انتهازيين نفعيين لا يرون إلا تحت أقدامهم.
إن إنقلاب حميدتي الفاشل ومغامرته المتهورة وممارسات جنده الإجرامية، خلقت صدمة لدى السودانيين ستجعلهم في قادم الأيام يتوجسون من كل قادم من البوابة الغربية للسودان، المرتزقة الذين يقاتلون اليوم في صفوف التمرد أتوا من الجرائم البشعة في الخرطوم بما لم يألفه أهل السودان رغم تعرض الخرطوم لكثير من الأحداث المشابهة طوال تاريخها.. هذا سيزيد الهوة والجفوة بين شعوب هذه المنطقة.
الاستقطاب الحاد المبنى على عصبية القبيلة ونفث الأحقاد وسط متمردي الدعم السريع خلق عقيدة قتالية لديهم مبنية على الغبن الشخصي والتشفي والحقد الطبقي وهذا تؤكده ممارساتهم على الأرض من نهب وسلب وحرق واتلاف للممتلكات العامة والخاصة واغتصاب للحرائر وهتك للأعراض.
إن الجريمة الكبرى التي إرتكبها حميدتي والتي سيحاسبه عليها التاريخ، ليست إنقلابه على سلطة قائمة ولا تمرد على جيش الدولة فحسب وإنما جريمته الكبرى هو وأد حلم راود الكثيرين منهم مستضعفين، بأن تتوحد دول السودان الكبير لتصبح إتحادا إجتماعيا وإقتصاديا وسياسيا وقوة إقليمية يكون تأثيرها ممتدا ليس لبقية دول القارة الأفريقية بل للعالم بأسره..الفرصة كانت مهيأة لحميدتي في أن يصبح زعيم أمة ولكنه آثر الدنية ورضى بأن يكون زعيم عصابة متمردة.
د. محمد بشير عبادي