مع استمرار الاشتباكات الدامية والقصف العنيف في مختلف أرجاء العاصمة السودانية، الخرطوم، تحدث أحد سكانها لصحيفة “التايمز” البريطانية عن مأساة أسرته العالقة في منزلها بعد أن عجزوا عن المغادرة والنزوح إلى أحد المناطق الآمنة.
ويقول رب الأسرة الذي لم يكشف عن هويته إنه عالق في منزله مع 17 فردا من أسرته، مبنيا أن أصغرهم طفلة رضيعة عمرها سنة ونصف السنة، في حين أن الأكبر بينهم والدته العجوز التي تعاني أمراضا مزمنة، ولا تزال تتعافى من جراحة أجرتها مؤخرا.
ويتابع: “على مدار الأسبوعيين الماضيين كنا نسمع أصوات الطائرات تحلق فوق رؤوسنا، حيث قصفت مواقع قريبة لقوات الدعم السريع”.
ويضيف: “في الوقت الذي أسطر فيه لكم معاناتي أسمع أصوات القذائف وتبادل كثيف لإطلاق النار، وعندما أتمالك نفسي للخروج بغية تحصيل بعض حاجيات العائلة أشاهد السيارات المحترقة والجثث المتناثرة في أرجاء الشوارع”.
وأوضح ذلك الرجل أنه يكاد يكون الشخص الوحيد الذي يتواجد في الشارع، لافتا إلى أن منطقة سكناه أضحت بالغة الخطورة بالنسبة لسيارات الإسعاف التي لا تجرؤ على ولوجها.
ونبه إلى أن العديد من المستشفيات والعيادات والصيدليات قد أغلقت أبوابها، وعليه فإن أحد مخاوفه يتمثل في تأمين العلاج لوالدته التي تعاني مرض السكري، إذ شارفت أدويتها على النفاد.
“أكبر مخاوفي”
وعن سببه شعور بالخوف عندما يحل الظلام الدامس، يقول: “لا أهلع من صوت القذائف ونيران المدافع، بقدر ما ترتعد فرائصي رعبا عقب إطلاق سراح وفرار نحو 15 ألف سجين، فهؤلاء لهم سوابق جنائية في القتل والاغتصاب وإدمان المخدرات، وباتوا يتجولون في الأحياء ليفعلوا كل ما يحلو لهم مع غياب الشرطة والأمن”.
وأردف: “بعد إجلاء الأجانب ارتفعت حدة المخاوف لدينا، فمن الذي سوف سيهتم بحياة ملايين السودانيين الذين ما زالوا في العاصمة؟.. أننا عالقون في وسط معارك بين طرفين ليس عندهما أي استعداد للرحمة في سبيل تحقيق النصر”.
ويزعم الشاهد أن تواتر التقارير عن انتشار قوات الاحتياطي المركزي سوف يزيد من حدة المعارك مما سوف ينعكس سلبا على المدنيين.
وكانت وزارة الداخلية السودانية قد ذكرت عبر بيان سابق أن قوات الاحتياطي المركزي المعروفة شعبيا باسم “أبو طيرة” قد خرجت إلى الميدان بهدف تأمين الأسواق وممتلكات المواطنين التي تعرضت للنهب والسلب والتخريب.
وزاد: “من خلال تجاربنا السابقة مع تلك القوات فإننا نعلم أنهم سوف يذهبون إلى المنازل لسلبنا هواتفنا وساعاتنا ومجوهراتنا وحتى أحذيتنا”.
أين المفر؟
“البقاء في المدينة أو المغادرة كان أصعب قرار يتعين علينا اتخاذه”، يقول رب العائلة تلك الكلمات بأسى قبل أن يضيف: “شاهدنا جيراننا يغادرون، ولكن نحن عددنا كبير فمن سيبقى ومن سوف يرحل”.
وأردف: “ارتفعت تكلفة مقعد في الحافلات المتوجهة إلى مصر من 25 دولارًا إلى 500 دولار دون وعد بالوصول إلى بر السلامة، وشراء بعض تلك التذاكر كان سيقضي على المدخرات التي نحتاجها للبقاء على قيد الحياة، كما أن بيع سيارة أو أشياء ثمينة ليس خيارًا ، لأن قلة من الناس لديهم نقود لشرائها”.
وعن الأيام القادمة، يوضح: “طعامنا ينفد، وزوجتي هي من تقرر ماذا سوف نأكل من وجبات لنوفر قدر الإمكان من المؤونة التي لدينا”.
ويردف: “نحن نأكل ثلث ما اعتدنا عليه، وحتى هذه الحصة سوف تتضاءل في القريب العاجل، ويتزامن ذلك مع التهاب الأسعار بشكل كبير، وما لدينا من المال يكفي لبضعة أيام أخرى”.
وزاد: “جرى إغلاق جميع البنوك وسحب النقود من العديد منها، وسيارتنا في الخارج بدون وقود، وبالتالي إذا أصبحت الأمور أكثر خطورة، فلا أعرف سبيلا للخروج من الحي والرحيل إلى بر أمان”.
وعن مستقبل أطفاله، يقول إن الأمور تبدو قاتمة للغاية، مردفا: “لم يذهب أولادي إلى المدرسة منذ عام بسبب تفشي جائحة كورونا التي تلاها انقلاب عسكري ثم فيضانات وسيول”.
ويزيد: “أحيانًا أقنع نفسي بأن ما يحدث مجرد حلم ثقيل الوطأة سوف يتلاشى بعد لحظات، بيد أن هدير المقاتلات وأزيز الرصاص وأصوات القذائف سرعان ما تعود لتقتحم رأسي وتملأ نفسي بالهواجس”.
ويختم بالقول: “يتصل بي أصدقاء من خارج السودان ويسألون عما يمكنهم فعله للخرطوم. أقول لهم أن يصلوا من أجلنا.. فالدعاء هو السلاح الوحيد الذي نملكه مع استمرار حرب الجنرالات”.
الحرة