ما من حدث سياسي مزلزل يماثل البيان الذي صدر بصوت مولانا أحمد هرون مساء اليوم الثلاثاء 25 أبريل 2023 م ، فهو ليس مجرد توضيحات بشأن خروج المعتقلين السياسيين من قيادات الإنقاذ خارج سجن كوبر ، بعد أن تعذر وجودهم بالسجن للأسباب المعلومة التي يعرفها الجميع لغياب إدارات السجن و حراسه و خروج جميع المساجين و غياب سلطات الدولة القضائية و الشرطية و العدلية ، فالبيان نقلة سياسية مذهلة من الدرجة الأولي ، وتغيير في إتجاه الأحداث برمتها لما حواه البيان من توضيحات و إشارات ، و ما يمثله مولانا أحمد هرون نفسه .
فمن الصعب تجريد البيان من أبعاده السياسية الحقيقية، فقد فتح صوت هرون وبيانه الباب على مصراعيه دون مواربة علي واقع جديد لن تكون فيه مسارات هذه الحرب كما كانت ، فقد تعجل قائد التمرد و بطيش لا يُباري في إتهاماته للجيش بأنه يقود حرباً بتوجيه من الإسلاميين ، و ظل حميدتي يشن هجوماً لا معني له على صُناعه من قيادة نظام الإنقاذ ، و ارتكب بذلك خطأً فاضحاً بفتحه نطاقات الحرب و إقحام أهم وأقوى تنظيم سياسي ذا خبرة وقدرة وقاعدة في قائمة خصومه ، و يضفي ذلك على الصراع الدائر ملمحاً جديداً ، إذ يجد المؤتمر الوطني وعضويته أنفسهم في مكانهم الطبيعي خلف القوات المسلحة والجيش الوطني ضد مشروع حميدتي النافق ، فحميدتي هو من أدخل نفسه عش الدبابير و علي نفسها جنت براقش .
فأهم الملاحظات حول بيان مولانا أحمد هرون تتلخص في ما يلي :ـ
أولاً : هرون هو آخر رئيس للمؤتمر الوطني قبل إنقلاب 11 أبريل 2019م ، وهو بهذه الصفة ، متحرراً من قيد السجن يعلن إصطفاف حزبه وراء القوات المسلحة ، وذلك يعني أن كوادر الحزب السياسية و منسوبيه في العاصمة والولايات وحلفائهم ، سيكون ثقلهم مع الجيش في حرب الكرامة وتكون كل خبرتهم السياسية في التعبئة وحشد الطاقات والدعم المعنوي لصالح الجيش حتى نهاية التمرد .
ثانياً : مولانا هارون من القلائل الذين يعرفون قوات الدعم السريع و قبلها قوات حرس الحدود معرفة دقيقة منذ أيام توليه منصب وزير الدولة بوزارة الداخلية إبان نشوء التمرد في 2002م ، ويعرف التركيبة الراهنة لهذه القوات ومراحل تطورها ، وهو أول من واجهها في ولاية شمال كردفان بطردها من مدينة الأبيض في 2013م ، بمعرفته لهذ الفصائل ونقاط ضعفها ومكامن خطرها ، يستطيع مع قيادات حزبه الداعمة للجيش ملء الفراغ السياسي والقيام بالواجب الوطني وقيادة المبادرات لتأمين المجتمع وسلامته وسرعة تعافيه .
ثالثاً : ديناميكية أحمد هرون وبراعته تكمن في قدراته القيادية ونجاعته في التخطيط والتحشيد ،خاصة في أوقات الأزمات ( أزمة دارفور – الكتمة 6/6/ 2012 في كادوقلي ) ستسخر في ترتيب العمل السياسي والميداني و مجال العمل الخاص ، و كل ذلك سيصب في اتجاه إسناد القوات المسلحة و محاصرة التمرد و حلفائه في المجالات المختلفة خاصة السياسية والمجتمعية ، وقد إختار هرون عبارات ذات دلالات واضحة وهو يعي ما يقول وله دأب ومثابرة في ادارة مثل هذه الامور المركبة والمعقدة .
رابعاً : مع تضعضع التمرد خلال الاشتباكات الجارية حالياً وانتهاء وجوده في الولايات و الاحباط الذي أصاب حلفائه من قحت المجلس المركزي ، و غياب أي فعل سياسي آخر، فإن ظهور هرون و قادة المؤتمر الوطني و كوادره سيصب في إتجاه نهاية للحرب و إستعادة الأمن والإستقرار وتفعيل مبادرات المجتمع ، ولعل الروح الجديدة التي أوجدتها كلمات بيان هرون و تفاعل الجميع معها وخطفها للاضواء جعلت بالإمكان القول أن واقع جديد ينهض وتحولات ستحدث في غضون الايام المقبلة وسيكون التمرد مجرد ذكري أليمة و حكايات تحكي و أثراً بعد عين .
الصادق الرزيقي