خلال الفترة الماضية، ساد اعتقاد بأن الدراما السودانية في رمضان غذّت بوادر صراع خفي بين الممثلين المحترفين أي خريجي المؤسسات الأكاديمية المعنية بالفنون والدراما بالسودان من جهة، وصانعي المحتوى المرئي بمنصات البث الرقمي بمواقع التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار من جهة أخرى.
وقد انكشفت بوادر الصراع المكتوم على خلفية الظهور الطاغي لـ”اليوتيوبرز” و”التيك توكرز” وتصدرهم المشهد، ولعبهم دور البطولة في الغالبية العُظمى من الأعمال الدرامية على حساب الممثلين المحترفين.
كما لاحظ جمهور النظارة هجرات كثيفة لطيف واسع من نجوم “اليوتيوبرز” و”التيك توكرز” من منصات البث الرقمية لشاشات القنوات الفضائية بالسودان.
فما القصة وماهي بواعث تلك الهجرة؟!
رأى صلاح شعيب وهو صحفي وكاتب وناقد فني وأدبي مختص وموثق للتراث السوداني في تصريح لـ”العربية.نت”، أن ما يجري ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بصراع أجيال مستتر، أو واضح بين الفئتين، موضحاً أن هناك ممثلين ينتمون لأجيال متباينة خلال الموسم الرمضاني الحالي.
كما اعتبر أن من نسميهم ممثلي الميديا الحديثة ليسوا بدعاً في مقابل الممثلين الذين أنتجتهم خشبة المسرح، أو الدراما التقليدية، فهم جزء من حركة لمبدعين جدد في كل المجالات ينافسون الأجيال التي احترفت الإعلام، والسينما، وسائر دروب الكتابة، ولذلك فإن المستقبل لصالح ممثلي الميديا الحديثة، بل امتلكوا الحاضر لأنهم خلقوا قاعدة جماهيرية عريضة في وقت لم تستطع أجيال سابقة مجاراتهم بحكم أن لكل زماناً ناسه.
في المقابل، الصحافي المختص بالنقد الفني، هيثم الطيب لديه وجهة نظر مغايرة تماماً، فقال لـ”العربية.نت”، إن من يقدم على منصات السوشيال ميديا المختلفة ليست دراما بالتوصيف المهني والعلمي، بل هي قيمة أدائية مرتبطة بفكرة السخرية والإضحاك وليس الكوميديا، لأن التفاصيل التي يقوم عليها العمل هناك ليس منهج الكوميديا بكل مساراته وأدواته.
وأضاف هيثم أن السوشيال ميديا تفاصيل قائمة على إنتاجية للموقف اللحظي مع جرعة سخرية أو إضحاك وكل واحدة تناسب حالة من المزاج الشعبي يريدها، فهي عملية إنتاج لمواقف يريدها المرتبط بالسوشيال ميديا حسب ظرفه ومناخه وتعقيداته، باختصار هي محاولة لرسم حركة أداء بلا روح دراما أو منهجية درامية.
ليست دراما حقيقية
وأكد هيثم أن السوشيال ميديا منتشرة بالشكل العريض والعمل الذي يقدم فيها ناجح بمقياس المشاهدات والمشاركات، طارحاً سؤالاً ما إذا كان هذا يعني أنها حركة تطويرية أو إضافة للدراما السودانية.
وأجاب أنه بالطبع، لا، لأنها في أصلها كما قلت ليست دراما حقيقية، مواقف أدائية فقط معتمدة على نمطية معينة من الشخصيات والأشياء التي تناقشها.
وينهي حديثه قائلاً: جزء من الممثلين ذهبوا هناك لأن منصات البث الرقمي بمواقع التواصل الاجتماعي، مكان للفهم المادي المطلوب لهم كأساس حياة، هناك يمارسون فعل الإنتاج من أجل الحياة فقط، لكن القناعة عندهم أنهم في واد غير ذي دراما، وقطعا هناك صراع عريض بين نجوم السوشيال ميديا وممثلين محترفين داخل السوشيال ميديا نفسها لكنه ليس صراع إنتاج دراما، إنما فقط حركة جسد مع بعض الكلمات المناسبة لإيقاع الناس وما يريدون.
لماذا تمددوا؟
أما أسباب تمدد نجوم السوشيال ميديا “اليوتيوبرز” و”التيك توكرز”، على حساب الممثلين المحترفين في العامين الأخيرين؟
فيذهب صلاح شعيب الى أن الممثلين المحترفين الذين كانوا ينشطون عبر الموصلات الإبداعية التقليدية تراجعت نجوميتهم نسبة لعدم وجود موسم مسرحي سوداني الآن كما يحدث في السابق، وكذلك عدم اهتمام الفضائيات بالدراما، ولهذا فإن مغامرة منتجي، وممثلي الميديا الحديثة بخلق بدائل للتواصل مع الجمهور هو الذي جعلهم في دائرة الضوء. وأعتقد أن نجاحات الممثلين الشباب في الأعمال السينمائية السودانية في العقد الأخير مهّد الطريق لتمدد نجوم جدد في المجال، وبالتالي أصبحت النجومية بالعطاء الفني الملهم، وليس بالتاريخ الاحترافي الطويل.
دائرة قاتلة للمواهب!
بدوره، يقول هيثم إن مرتادي منصات التواصل الاجتماعي، دخلوا كلهم إلى هناك، وأصبحوا في دائرة قاتلة لمواهبهم وشخصياتهم كدراميين وأعني المحترفين طبعاً لأنهم أصبحوا جزءا من منظومة السوشيال ميديا التي تضع لك شروط نجاحك من حيث كل الأدوات، وهي بالتأكيد أدوات ضعيفة مهنيا وفنيا لكنها ناجحة هناك. النجومية هناك.
يشار إلى أن النجاح عادة يعتمد على صناعة ما يريده الجمهور من محتوى.
ويقول المختصون إن الدراما في طريقها للنهاية إلا إذا تحرك المعنيون لعمل كامل بعيداً عن السوشيال ميديا التي احتضنت محترفين في التمثيل وخريجين للدراما.
العرببةنت