رمضان موسم التدرب على مكاواة ومغايظة الشيطان.

المقال الثاني والعشرون،
من (سلسلة مقالات من وحي رمضان 1444).
المكاواة والمكاونة: في لهجة الحجاز تعني المدافعة والمشاجرة والمغايظة..
فلان يكاوي فلانا ويكاونه؛ أي: يدافعه ويعانده ويغايظه ويتحدّاه.
لكنها الآن نادرة الاستخدم في كل لهجات العرب؛ عدا اللهجة السودانية.
الذي دفعني إلى هذه الخاطرة وقفتي بين يدي حديث نبوي شريف في فضل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما أكثر أفضال الفاروق.
يقول الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ). رواه البخاري ومسلم.
عمر رضي الله عنه كان يخاف من الشيطان أن يفتنه ويوسوس إليه لكنه لم يكن يهابه ولايفزع منه، كان يناصبه ويستعد له فيُنصر عليه، لذلك كان الشيطان يخافه ل(استعداده له ومناصبته إياه)، فيترك فجه وسبيله حذرا منه.
ويقال بأن الضواري في الغابة تستطيع أن تميز وتتعرف على الإنسان الجبان الفزع، من سواه، وذلك بسبب رائحة تنبعث من جسد الضحية، وكذلك من لغة الجسد والحراك، وقد شاهدت ذلك في احدى الفضائيات واظنها National geographic.
والأمر ليس أمر مقايسة بقدر ماهو تقريب للمشهد.
لقد نشأت محبا لشخصية الفاروق رضي الله عنه، ومن هي عندي أثيرة، فيها تتجلى صلابة المسلم وصدق الاخبات لله والحرص على تمام الايمان، لقد ورد أنه كان من الحرص بمكان على اذلال الشيطان وتخييب ظنه في كل أمر يجد فيه مظنة تخذيل عن طاعة أو وسوسة، فيزيد من ركعات تهجده إن طاله فتور او نعاس، ويخالف بفعله ماينتويه ان بدا له أن للشيطان فيه يد، ولعل ذلك ما أوصل الفاروق إلى المرتبة التي ذكرها نبينا صلى الله عليه وسلم في فضله.
هذه هي ال (مكاواة) التي عنيتها في عنواني، وان نسيت فلن أنس ماحييت هذر جدي معنا ونحن أطفال فيقول:
كاووا الشيطان وغيظوهو.
نشأنا على ذلك منذ الصبى، واستصحبناه طيارا بحمد الله، وكم في ذلك من مشاعر رضا تكتنف القلب والوجدان كلما (كاويت) الشيطان، وكم تسمو بالروح منك عندما تنصر خيريتك على سوء مقصده وكيده، وكم تتصالح مع ذاتك كلما (ازريت واذريت) بوسوسته وكيده.
والنفس إن درجت على ذلك تستسهله جدا، اذ في الحسبان قول الله بأن كيد الشيطان في حقيقته وأصله ضعيف:
{…فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} 76 النساء
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم:
(إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص).
فإن كان الأذان (يجهجهه) كل هذه الجهجهة؛ كيف يكون حاله مع الذاكر الحريص على التحصين والرقية والمعتاد على تلاوة القرآن؟!
رمضان يا أحباب فرصة ذهبية للانتصار على الشيطان، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين).
فإن كانت مسلسلة ومصفدة طوال هذا الشهر؛ فإن أيما جهد لترويض النفس على الطاعات وتعليمها (ثقافة) الانتصار للوضاءة على ظلمة المعصية تكون ثمرته الاعتياد على ذلك وجعله جبلة وطبع، وهاهي العشر الأواخر بدأت تنسرب بين أيدينا انسراب حبات مسبحة في يد شيخ وقور، لتكن لنا زادا وعونا يا أحباب.
اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنا.
وإلى اللقاء في المقال القادم بحول الله.
adilassoom@gmail.com

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version