كان لا يكفُّ عن الضحك، ضحك من أواخر قاع قلبه الصافي المُتَّسع رحابةً والأرجح تحناناً صافياً، كأنه كبر خارج الزمن، ومبدع في مهنته وله لغة مثل ضحكته وكريم ومبادر وبار بكل صديق.
رحل عن دنيانا الفانية الرجل الأغرُّ البهيُّ الظريفُ المقبولُ عند الله تعالى، الراحل طه إبراهيم جربوع المحامي والمُعارِض السياسي لكُلِّ الأنظمة على السواء، ديموقراطية كانت أو دكتاتورية شمولية أو شاملة اشتراكية أو إقطاعية رأسمالية أو (معلمة الله).
كان طه طاقة نقدية باسلة، يقرأ المخبوء ويتلمّس المخبأ ولا يُخفي رأيه، ولا يضنُّ بما أنعم الله عليه من العلم الغزير، الذي وهب له كُلَّ العمر منذ نشأة الكتاتيب حتى نهاية التاريخ.
قارئ كما الجاحظ الذي قتلته أكوام كتبه حين انهالت عناوينها على بدنه، فبددته حرفاً حرفاً، وله ذهن نقدي يتوهَّج كلما بلغ حالة اليقين، وله حول كُلِّ مستقرٍّ سؤال.
تعرَّفت على طه في الثمانينيات في سجن كوبر، وافتتنت بهذه الضخامة الهائلة، وتلك الطفولة التي حافظ عليها حتى مات ضاحكاً.
لم تفتر علاقتنا التي جرَتْ على خط إنساني بحت، لا علاقة له بالسياسة، وزادت توهجاً في القاهرة فقد كنتُ أُرافقه في كل منتديات القاهرة الثقافية من معرض الكتاب السنوي حتى أماسي الأتيليه الأسبوعية بوسط المدينة وكنا نحرص على ملاقاة الأبنودي، وكان طه مرجعية للمستشار محمد سعيد العشماوي الذي كان كثيراً ما يُعاتب طه على عدم إصدار ما في رأسه للكتب.
وفوق هذا الثراء المعرفي كان ميسور الحال، لأنه كان من أكثر المُحامين كسباً، لأنه أحصفُهم، ومن أنضر ما أثمرت بساتينُهم من ثمر.
كان هميماً يقف في الصف الأمامي أمام كل نائبة، وفي الصفوف الخلفية للمغانم والصيت، لا يرجو من الدنيا سوى ضحكته ومحبة الناس.
أشهد الله أنني لم أصادق رجلاً في مثل شهامته وطويته الطيبة، ووجدانه الخصب وطفولته العذبة وقلبه الأوسع، من خطوات الشمس، ومن حسن ما بذله لي أنني رأيت بعيني النقاء الذي لا يرى.
رحم الله طه وجعل الجنة نصيبه ليتسرمد وسط الحور ويعبئ كاسات دهاقاً.
صحيفة الانتباهة