المقال العشرون،
من (سلسلة مقالات من وحي رمضان 1444).
إنها مفاجأة…
نعم مفاجأة ومن العيار الثقيل!
سؤال:
هل سعينا يوما إلى معرفة المعنى المراد من كون ليلة القدر ليلة: {يفْرَقُ فيها كلّ أمر حكيم}؟!
ياترى ما المراد بذلك؟!
يقول الحق جل في علاه في سورة الدخان:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ • فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الآيات (3-4).
المعنى لذلك أن الملائكة تأتي باللوح المحفوظ في هذه الليلة، فيُثْبِتُ الله ويمحو فيه الكثير من أقدار الخلق السابقة (لمن يكرمه الله بإدراك هذه الليلة المباركة)!.
قد يكون قائل أن أقدار الله مسطورة منذ الأزل كما ورد في الأحاديث الشريفة الصحيحة التالية؟!:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) رواه مسلم.
وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي حدّث به وهو في مرض موته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنّ أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد). سنن الترمذي.
وهناك أيضا تقدير عمري يكتبه الله على عبده وهو في بطن أمّه كما جاء في حديث إبن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنّ أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقيّ أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح). رواه البخاري ومسلم.
إذن ما الذي تعنيه الآية الكريمة؟!
الإجابة:
هناك أقدار (يومية) كما يقول ربنا في هذه الآية الكريمة:
{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} الرحمن 29
قال البغوي عن هذه الآية:
قال المفسرون إنّ الله من شأنه أنّه يحيي ويميت، ويرزق، ويعزّ قوما ويذلّ قوما، ويشفي مريضا، ويفك عانيا، ويفرّج كربا، ويجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويغفر ذنبا، إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء.
انتهى.
وهذا يعني أن ليلة القدر تعد من أيام الله المذكورة في هذه الآية {كل يوم هو في شأن}، ولكن تكمن خصوصيتها في أنّ الله يختصّ من يبلغها من المسلمين بإجابة (كل) دعائه، ويبدّل الله الكثير من تفاصيل ما سطّر من قبل من أقداره السابقة!.
ألا تستحق ليلة كهذه ان نجتهد لها ونبذل لأجلها كل الوسع يا أحباب؟!
ألا تستحق أن نشمر ونشد المئزر ونعتكف لها العشر الأواخر؟!
أما موعد تحريها:
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) متفق عليه.
والذي يسعى إلى إدراك هذه الليلة العظيمة عليه بال (وضوء والغسل الحِسّي)، فالذاكرة البشريّة قد تختزن بعض صور المعصية، وبعض الذكريات والخواطر غير الحميدة، وهذه إن استغرق فيها المسلم خلال تفكيره وشروده الذهني؛ فإنها تصبح كهالة الغبار أو الضباب الذى تحول دون الرؤية السليمة، والوضوء والغسل الحسي الذي أعنيه يكمن في الحرص على إبعاد النفس عن الاسترسال في تلك الخواطر السالبة، والسعي إلى ابدالها أطرا للنفس والخيال إلى التفكير في خواطر وذكريات مليئة بالصلاح والوضاءة تعين على الخشوع في العبادة والطاعة، وذاك أدعى لنيل رضى الرحمن، وبالتالي بلوغ ليلة القدر ان شاء الله.
ومما لايعلمه بعضنا عن ليلة القدر علاماتها:
وهذه بعض العلامات التي وجدتها منثورة في عدد من الأحاديث والآثار:
1ـ قوة إضاءة السماء في تلك الليلة خلال نهارها ومن ثمّ عند إبتدار ليلها، وهذه يمكن تبينها أكثر في القرى والأرياف بأكثر من المدن.
2ـ طمأنينة القلب وانشراح الصدر، وهذا الإحساس يسبق ليلة القدر خلال النهار الذي بين يديها، فمن وجد ذلك في نفسه وكانت اللّيلة ليلة في ثنايا العشر الأواخر فذاك أحرى بأن يمنّي نفسه بها أكثر.
3ـ لاتتخللها عواصف ولا غبار حيث يكون الهواء هادئا بل تكتنف الدنا أنسام عليلة.
4ـ قد يُرِي الله الإنسان ليلة القدر في المنام كما حصل لبعض الصحابة رضوان الله عليهم.
5ـ يجد المسلم في القيام في تلك الليلة لذة بأكثر مما في غيرها من الليالي.
6- تطلع الشمس في صبيحتها لطيفة الأشعة، ويدلّ على ذلك حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه حيث قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنّ الشمس تطلع يومئذ لاشعاع لها). أخرجه مسلم.
اللّهم إنّي أدعوك بإسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت أن تبلّغني ومن قرأ ليلة القدر، إنّك ياربي وليّ ذلك والقادر عليه.
وإلى القاء في المقال الحادي والعشرين إن شاء الله.
صحيفة الانتباهة