تتعدد طقوس السودانيين وتتنوع في رمضان، لكنها تتفق على ضرورة ملء النفوس بالروحانيات. يقول أبو عقاب محمد البالغ 52 من العمر لـ”العربي الجديد”: “أهرب خلال شهر رمضان من زحمة الدنيا وإيقاع مطاردة متطلبات الحياة والعمل إلى عالم الروحانيات وتطهير النفس، وأحاول أن أتخلص من كل العادات السيئة والسلوك غير السليم التي رافقت يومياتي في أشهر ما قبل رمضان، كما أتجنب الاحتكاك بالناس لا سيما في ساعات الصيام، وأستثمر وقتي في تلاوة القرآن الكريم والكتب، إذ اعتبر رمضان الشهر الأنسب للقراءة والاطلاع، إلى جانب التواصل مع الأقرباء عبر تنفيذ زيارات اجتماعية يومية. وأخصص أيضاَ ساعة يومياً للتمارين الرياضية، وأحرص بعكس كثيرين على الخلود إلى النوم عند الحادية عشر ليلاً”. يضيف أن “من الطقوس الأخرى التي التزم بها اجتماع الأسرة لتناول وجبة العشاء، وهو أمر يندر أن يحصل في كل الوجبات خلال الأشهر الأخرى، كما لا أتردد في الانضمام إلى موائد الإفطار الجماعية التي تنظمها دفعات من خريجي المدارس أو الجامعات أو زملاء في العمل مرة واحدة خلال الشهر، إذ تشكل فرصة لاستعادة العلاقات الاجتماعية والذكريات الجميلة”.
تلاوات قرآنية جماعية
وفيما يعتبر العيش في عالم الروحانيات الرمضانية أساس إحياء كثير من السودانيات الشعائر من خلال تنظيم اجتماعات قبل الظهر لحضور تلاوة جماعية للقرآن في منزل واحدة منهن، أو في مساجد أو مجالس أخرى تمهيداً لإكمال قراءة القرآن كله خلال شهر الصوم، تخبر أم مؤمن “العربي الجديد” أنها تحرص أيضاً على تعلم وتلقي مزيد من المعرفة بعلوم الدين عبر متابعة دروس مخصصة للنساء في الحي الذي تسكن به. وتشير إلى أنه من الطقوس الأخرى اجتماع النساء بعد الإفطار مباشرة والذهاب لقضاء مدة معينة مع واحدة من الجارات مع حمل بعضهن هدايا للمضيفة، ثم الانتقال إلى منزل سيدة أخرى في اليوم التالي.
إفطار رجال الحي
من جهته، يعرض مدثر سيد أحمد، في حديثه لـ”العربي الجديد”، لطقوس مدينته عطبرة (شمال)، ويقول: “تشمل عادات عطبرة على غرار مدن وقرى أخرى في السودان إقامة مآدب إفطار جماعي للرجال في الميادين العامة، لكن ما يميّزها أيضاً أن تحضيرات فرش الإفطار تستمر ساعات طويلة، وتتواصل الخدمات حتى ساعات الليل المتأخرة. وبعض الرجال يصرّون على تناول حتى وجبة العشاء الرمضانية في الخارج مع رجال الحي خصوصاً الشباب. ومن الطقوس المعروفة في عطبرة ومناطق أخرى أيضاً يوم الرحمتات الذي يشهد ذبح أسر خروف أو شاه وتوزيع اللحوم على المساكين والأطفال كثواب للموتى. وعموماً تختلف برامج الشبان الذين يقضي غالبيتهم أيام رمضان في النوم، ويسهرون ليلاً في أندية للعب الورق والدومنيو، وقد يمارس بعضهم رياضات مثل كرة القدم الكرة الطائرة.
وعن طقوس رمضان في ولاية شمال كردفان، يقول محمد الدويخ لـ”العربي الجديد”: “تتشارك مجتمعات في طقوس وعادات ومشروبات ومأكولات، لكن التمسك بها أقوى في كردفان حيث لا تفطر أي جماعة داخل المنزل، مهما كانت الأسباب. وتكون الموائد الرمضانية غنية بمنتجات محلية مثل مشروب الآبري الأحمر (الحلومر)، ومشروب (النشا) البارد أو الدافئ و(المليل)، و(الفريك) و(القونقليس)، وكلها مشروبات تقليدية أساسية خلال شهر رمضان إلى جانب الكركدي وعصيدة الدخن”. يتابع: “يحرص معظم المواطنين على أداء صلاة العشاء والتراويح ضمن الجماعة مع تكرار الدعوات والتضرعات، ثم ترديد أهازيج دينية تمجد فضل شهر رمضان وفضائله الروحية إلى جانب طقوس المسحراتي التي تشهدها غالبية الأحياء السكنية في وقت مبكر. والمرأة في كردفان تصبح أكثر نشاطاً في رمضان، وتقاسم الرجل العمل خارج المنزل إضافة إلى عملها داخل المنزل”.
حنين المهجر
إلى ذلك، يدفع الحنين إلى طقوس رمضان السودانيين في المهجر إلى محاولة الحفاظ عليها. على سبيل المثال، ينشر السودانيون سنوياً في دول الخليج وأوروبا وغيرها مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تنظيم موائد إفطار جماعية وليالي رمضانية تكون تنقل أجواء الشعائر المحلية للشهر. ويقول عوض صديق، وهو مغترب يعيش في السعودية، لـ”العربي الجديد” إن “إرث شعائر رمضان في السودان عظيم ولا يمكن التخلي عنه بسهولة وتظهر الحرص الشديد على إطعام موائد الرحمن الصائمين”. يتابع: “يتناول آلاف من السودانيين في المدينة موائدهم الرمضانية في التجمعات والميادين العامة، في مشاهد تعيد بالنسبة لي مشاهد الإفطار في قريتي بالسودان، والموائد في السعودية تحتوي رغم البعد عن الوطن على العصيدة والبليلة والعصائر المنتجة في السودان، مثل الكركديه والعرديب والقنقليز. وهم غالباً لا يشترون أي عصير من المحلات التجارية”.
وبين أهم الطقوس الرمضانية عند السودانيين متابعة البرنامج التلفزيونية والإذاعية، خصوصاً برامج الأغاني السودانية، وأشهرها على الاطلاق برنامج “أغاني وأغاني” الذي دخل موسمه الخامس عشر، ويبث بعد الإفطار مباشرة حيث تجتمع كثير من الأسر لمشاهدته جماعياً. ويرى الصحافي أحمد دندش أن الدراما السودانية في موسم رمضان الحالي أثرّت كلياً على مشاهدة برامج الأغاني، لأن القائمين على الدراما الآن شبان استطاعوا أن يحدثوا تغييراً كبيراً ويتحررون من القيود السابقة”. ويتحدث لـ”العربي الجديد” عن أن “طقوس رمضان في السودان باتت تتأثر بالظروف الاقتصادية الصعبة، إذ تراجعت موائد إفطار الشوارع والميادين في شكل كبير، وقلّ عدد رواد أماكن الترفيه العامة، كما تقلصت بنسبة 90 في المائة موائد الإفطار الجماعية السنوية الخاصة بالمؤسسات العامة والخاصة، وتلاشت البرامج الثقافية والمنتديات في رمضان، وفقد الناس التواصل والحميمية ما دفع عدداً كبيراً من السودانيين إلى السفر، وبالتالي إحياء صيام رمضان في بلدان أخرى”.
العربي الجديد