محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: من داخل سجن كوبر

(1)
احد الذين دخلوا سجن كوبر وحبسوا فيه لأكثر من عامين في العهد البائد بتهمة لفقت له حدثني عن هذا السجن العتيق الذي لحن فيه محمد وردي اغنية التجاني سعيد (قلت ارحل) في مطلع السبعينات من القرن الماضي والتي يقول فيها وردي (رحلت وجيت وفي بعدك لقيت كل الارض منفى) وهو سجين. وكوبر هو السجن الذي ألف فيه الامام الصادق المهدي اغلب مؤلفاته وكتب فيه الشيخ حسن الترابي معظم كتبه وهو كذلك السجن الذي اعدم فيه محمود محمد طه.
سجن كوبر السجن الذي يجمع بين كل المتناقضات حيث يجمع بين الشريف والمجرم والمناضل والخائن. كوبر فيه الرفاهية وفيه الكدر . دخله ثوّار في ثورة اكتوبر وثورة ابريل وثورة ديسمبر وتخرجوا منه مناضلين بدرجة الشرف الاولى ، عندما انتصرت الثورة ليلتحق بالسجن قيادات تلك الحكومات التي تفجرت ضدها تلك الثورات.
بمعنى ان البشير وطه ونافع عندما كانوا في السلطة سجنوا فيه من كانوا يعارضونهم ليخرج المعارضون من كوبر ويدخل له البشير وطه ونافع وعبدالرحمن الخضر وعبدالرحيم محمد حسين.
وهكذا دواليك.
وتلك الايام نداولها بين الناس.
(2)
من حدثني عن سجن كوبر الذي دخله سجيناً قال عنه ان في سجن كوبر يوجد كل شيء، ما لا تجده في الخارج يمكن ان تجده في سجن كوبر ،حيث تحقق لك كل طلباتك وان كنت قيد الانتظار لتنفيذ حكم الاعدام ، طالما كنت تملك المال.
في سجن كوبر سوق (افتراضي) فيه كل ما يخطر على بالك ، كما يمكن ان يوفر لك سكن 5 نجوم بغرفة (فندقية) فاخرة ، كذلك متاح لك ان تطلب من مطاعم الخرطوم كل ما لذ وطاب ويصل اليك طلبك قبل ان يرتد بصرك ، وهذه المزايا والخدمات للامانة لا تمنح او تعطى لاسباب سياسية بقدر ما هي امور تحقق حسب قدرة السجين المالية وامكانياته المادية.
في سجن كوبر هنالك اعمال تجارية وصفقات تعقد وتتم تصل قيمتها لمليارات الجنيهات ويحدث ذلك على مدار الساعة وعبر وسائل اتصالات متوفرة في السجن ، وهذا يجعلنا نؤكد ان كل المساجين في سجن كوبر يديرون اعمالهم من داخل السجن بما في ذلك الانشطة السياسية والاجتماعية.
في العهد البائد كان السجين يخرج من سجن كوبر صباحاً ويعود في المساء لا ادري ان كانت هذه الخدمة متوفرة للسجناء الآن ام انها توقفت؟
(3)
يؤكد رفاهية سجن كوبر والخدمات المتوفرة فيه الصورة التي ظهر بها المخلوع عمر البشير في المحاكمات التي تعرض لها بعد سقوط نظامه ودخوله للسجن.
البشير كان في جلسات محاكماته يظهر وكأنه جاء اليها للمشاركة في مناسبة اجتماعية، اذ كان ينقصه ان يغنوا له (النار ولعت) فيرقص على انغامها ويلوح بعصاه ، ومن حوله يتمايل حسن اسماعيل وحاتم السر وعبدالرحمن الخضر طرباً ، وهذا بالتأكيد ليس ثناءً على البشير او دلالة على تجاوزه للازمة بقدر ما هي دلالة على عدم تكافؤ الفرص اذ يظهر توباك ورفقاؤه في حالة يرثى لها وهم مقيدون بالجنازير والسلاسل الحديدية في جلسات محاكمات التي يقدموا لها.
المتهم بالابادة الجماعية او المدان بها من قبل المحكمة الجنائية الدولية يظهر في صورة بهية والمتهم في قتل ضابط شرطة بغير ذنب يبدو كالهشيم وان كان كبرياء توباك ورفقائه باقياً حتى وهم بين الانقاض.
(4)
بغم
كوبر في كل الاحوال يبقى هو الحاكم الفعلي للسودان حتى عندما كان البشير رئيساً وقتها كان الشيخ حسن الترابي وهو حبيس في كوبر هو من يحكم السودان، وكان البشير مجرد (الزول الواقف ورا عمر سليمان).
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الانتباهة