البرهان ألقى اليوم كلمة مرتبكة ومتناقضة تدل ربما على أنه مضطرب؛ فهو بدأ كلامه بأنه ليس ضعيف أومتردد ولكنه يمارس ضبط النفس وأن الجيش صبره طويل ويصل في النهاية لمبتغاه. ولكنه، أي البرهان، يقفز فجأة ليقول ما معناه بأنهم كلهم كأطراف للعملية السياسية قد فشلوا ويجب عليهم أن يبتعدوا كلهم من المشهد، قيادة الجيش بما فيها هو، وقحت والكتلة الديمقراطية، كلهم حسب كلامه يجب أن يتنحوا ويفسحوا لآخرين، ولكنه لم يوضح من هم هؤلاء الآخرون؟
وفي نفس السياق يهاجم البرهان الأطراف المدنية بشكل صريح ويتهمها بالسعي للاستحواذ على أكبر قدر من السلطة، ويعيد عليها الوعظ السياسي المكرر بضرورة إعلاء المصلحة الوطنية.
ولكنه بعد ذلك يعود ليتكلم عن أن الجميع وطنيون ويسعون لمصلحة البلد وأن هناك ضوءاً في نهاية النفق يمكن رؤيته من بعيد من خلال المتاريس والعقبات التي يضعها الجميع والمؤمرات والفتن التي يثيرها ويشارك فيها الجميع من كل الأطراف.
ثم يعود تارة أخرى للكلام عن توسيع المشاركة والتوافق الوطني وضرورة وجود أكبر كتلة إنتقالية. منتهى الاضطراب والتناقض، كلام لا تستطيع أن تخرج منه بنتيجة معينة حول موقف البرهان. هل هو مع الاتفاق الإطاري؟ هل هو جاد في مقترح خروج الجميع من المشهد بما في ذلك هو نفسه وما معنى ذلك؟ هل هو تمهيد لانقلاب عسكري -تسليم وتسلُّم- يعيد البرهان بموجبه السلطة للجيش ويخرج من المشهد على طريقة ابنعوف، أم أنه يقصد الذهاب إلى خيار الانتخابات بعد فشل الفترة الإنتقالية برمتها؟ لا نستطيع أن نخمِّن! لأنه يعود ويتلكم مرة أخرى عن النفق والمتاريس وسنعبر وسننتصر وكأنه عبدالله حمدوك (وجه الشبه الآخر بحمدوك هو محاولة نفي صفة الضعف والتردد التي لصقت به ملثما لصقت بحمدوك).
أثناء كلمة البرهان التي أعقبت كلمة مناوي فكرت للحظة: ما بال البرهان يتكلم مثل مني أركو مناوي، بينما مناوي تكلم كرجل دولة.
بخلاف كلمة البرهان فقد كان برنامج الإفطار طريفاً. تكلم فيه ياسر العطا في البداية وألقى كلمة مليئة بالعاطفة وتملَّق ثورة دبسمبر كالعادة، استحسنها الحضور وجعلت مناوي يصفه بأنه لجان مقاومة،
ثم تكلم خالد سلك ليروي لنا نكتة بأنهم كانوا في السنة الماضية في مثل هذا الوقت في السجن وزارهم ياسر العطا وقال لهم ما معناه بأنهم يحتاجونهم لحل مشكلات البلد ووعدهم بأنهم سيخرجون قريباً، ولكنه أحضر لهم في الوقت نفسه كمية فواكه كبيرة تدل على أنهم لن يخرجوا قريباً. موقف يحكي تسامح السودانيين إذ تتحول ذكريات الانقلاب والطرد من السلطة ثم السجن إلى طرائف يحكيها السجين في حضور السجان ويضحك الجميع.
ثم تكلم خالد سلك بعد ذلك، كخالد سلك، أي كقحاتي، حول النظام البائد ذلك الغول المرعب وكأنه في ركن نقاش بشارع المين. أما مناوي فقد رد على خالد سلك في البداية،
ثم تكلم بحكمة قحاتي خلا عركته الحرب والسياسة وحكى أيضاً حكاية عن المفاوضات والحرب، حكاية بطبيعة الحال أكثر جدية وأكثر مغزى من طرفة خالد سلك عن السجن وزيارة العطا، مفادها أن السياسة ليس فيها شياطين وملائكة. و في النهاية كرر نفس المواعظ المعروفة عن أهمية الوفاق و دعا الجميع لإفطار آخر، ولكنه كان افضل من البرهان الذي تدل هيئته وطريقة كلامه بأنه يمر بنوع من الضعوطات وربما هو بحاجة إلى راحة ليرتب نفسه ويعرف ماذا يريد وماذا يقول.
حليم عباس