فقدت مصر قدرتها على التأثير على الدول لعربية والدول الأفريقية بصورة عامة وتراجعت المحروسة كثيراً في السنوات الأخيرة. لم تعد مصر تحتل موقعها (الريادي) الذي كانت تحتله في السابق، حتى على المستوى الشعبي، حدث تدهور مريع، وبعد أن كانت مصر وشعبها لهما مكانة خاصة في القلوب، وعند كل الشعوب، وكان كل (أجنبي) يشعر عندما يكون في مصر أنه في وطنه الثاني، وذلك بسبب التعامل الراقي الذي يجده من الشعب المصري وهو يحترم (الأجنبي) ولا ينظر إلى (لونه) ، فكل الأجانب في مصر (باشاوات) وكل الناس هنالك (أجدع ناس) و(أحسن بشر) كان ذلك في مصر (صنعة) يحسنها الشعب المصري … كباره وصغاره من الوزير وحتى عامل القهوة أو سائق التاكسي الذي يستقبلك في المطار مبتهجاً ليؤكد لك أن مصر ترحب بك وأنك الآن في بلدك الثاني، ويظل يحكي لك طوال المشوار في طرائف ونكات ويشكو من الحالة الاقتصادية الصعبة.
وللأمانة يشعر الانسان في مصر وان كان غريباً بالأمن والطمأنينة فروح الشعب المصري التى تتميز بـ (الفكاهة) وخفة الدم المصري المشهود له بذلك تصنع لك (ألفة) وتجعل البهجة حاضرة حتى وان كنت في إجازة مرضية من اجل العلاج او كنت مرافقاً لمريض ضاقت الدنيا عليه ولم تضق منه (ام الدنيا).
(2)
تأثير مصر الثقافي علينا كبير – حتى نحن لم نسلم من ذلك فقد نشأنا على (المغامرون الخمسة) وقمنا على (الشياطين الـ 13) وعشنا مع (رجل المستحيل) وروايات (عبير) ، وعندما تجاوزنا تلك المرحلة دخلنا على روايات يوسف السباعي ومحمود ادريس ونجيب محفوظ وكنا نتابع (صباح الخير) وننتظر مقالات مفيد فوزي بلهفة لا توجد عند المصريين أنفسهم.
انعكس ذلك التأثير الثقافي على رؤيتنا السياسية ومجلة اكتوبر واستطاع جمال عبدالناصر ان يخلق (الحالة الناصرية) التى تدعو للقومية والوحدة العربية في معظم البلدان العربية وقتها لم تكن هنالك نعرة عنصرية او تمييز لوني.
استمعنا لأغنيات ام كلثوم التى نحفظ بعضها كما نحفظ اغنيات عثمان حسين ومحمد وردي والكابلي وامتد الهوس بالأغاني المصرية حتى جيل محمد منير وعلي الحجار وصولاً الى شيرين عبدالوهاب وتامر حسني.
كانت الشعوب العربية كلها تمنح تلفزيوناتها (ساعة في اليوم) في اكثر الاوقات مشاهدة ومتابعة للمسلسلات المصرية التى كانت تشدنا وتجذبنا وتجعل (اللهجة المصرية) هي اللغة الرسمية للدراما في الوطن العربي .. كنا لا نقبل أي اعمال درامية تكون اللهجة التى تتحدث بها اللهجة غير المصرية، في اجسامنا كانت تلك الاعمال غير المصرية تجد مقاومة ورفضاً حتى وان كانت تلك الاعمال الدرامية اعمالاً سودانية تعبر عنّا بصورة اكبر وأعظم.
إلى جانب ذلك فان الكثيرين من السودانيين درسوا في مصر وعادوا منها يحملون الحب والثقافة المصرية ومن لم يدرس في المحروسة كان في مسيرته التعليمية في السودان (استاذ مصري) أثر عليها ومثل له (قدوة) في فترة مهمة من فترات حياته.
(3)
هكذا كانت مصر والتى اقول دائماً اننا لا نحمل لها والله غير الحب والتقدير ولا نحجب عنها ذلك إلّا اذا تقاطع الامر مع الوطن اذ يبقى السودان عندنا الاول والأخير.
على السلطات المصرية ان تبحث لماذا تراجعت مصر؟ يوجد في مصر مراكز ابحاث عليها ان تبحث لماذا اصبحت مصر مكروهة عند معظم الشعوب؟ ولماذا فقدت الثقافة المصرية والفن المصري والدراما التى كان لها تأثير كبير على الجميع مكانتها وريادتها؟
اعتقد وهذا تنبيه مهم للسلطات المصرية – ان الأهلي المصري كان احد الاسباب القوية التى ادت الى ذلك.
الأهلي المصري يشوّه مصر ويحطم قوتها الناعمة بسبب اللغة التى يتحدث بها إعلام الاهلي وجماهيره .. بل أن مجلس إدارة نادي الأهلي نفسه يتحدث بلغة طاردة وعنصرية والدولة المصرية تسمح للأهلي ان يرفع شعار (الاهلي فوق الجميع) وهو شعار غير رياضي يجعل الاهلي يتجاوز الخطوط الحمراء حتى مع شعوب الدول المجاورة.
الاهلي المصري حتى في مصر مكروه من الأندية الجماهيرية ولا يستطيع الاهلي ان يلعب في الاسماعيلية او في بورسعيد التى حدثت فيها مجزرة دموية فقدت فيها مصر (74) شهيداً.
خطاب الكراهية الذي يتحدث به الاهلي سوف تتضرر منه مصر – استفادة مصر من السودان اكبر من استفادة السودان من مصر .. المتضرر من توتر العلاقات او من تلك الروح العدائية التى ظهرت في الفترة الاخيرة بين الشعبين هي مصر في المقام الاول.
بل قد نكون نحن في السودان في حاجة الى الانفكاك من التأثير المصري ومن الثقافة المصرية وأحداث مباراة الهلال والأهلي سوف تجعل اهم قطاع وأكثر فئة مؤثرة في الشعب وهو قطاع الجمهور الرياضي ينتبه لذلك ويتحرر من حالة الانجذاب نحو مصر.
الهلال هو نادي الحركة الوطنية وهو نادي الخريجين الاوائل الذي يطلق عليه بسبب شعبيته الجارفة في السودان هلال الملايين والصدام الشعبي مع هذا النادي سوف يجعل الطرف الاخر يفقد كثيراً.
محمد عبد الماجد
صحيفة الانتباهة