أمسيات رمضان تنبض فنا وموسيقى في شارع النيل السوداني
تشهد ليالي شهر رمضان في العاصمة السودانية الخرطوم نشاطاً غير معهود على عكس بقية أشهر السنة، وتعود الحياة لشوارع المدينة التي تسهر على غير العادة حتى الفجر.
وتنشط الفعاليات والأنشطة الفنية والثقافية والرياضية بغية الترفيه، فتلتئم المنتديات الأدبية والمنابر الشعرية ومجالس الغناء وما إلى ذلك.
شارع النيل
أصبح شارع النيل قبلة لمعظم سكان العاصمة في ليالي رمضان، وحين يرتد إليك بصرك، تكون عيناك وقعت على أعداد هائلة من البشر، يحثون الخطى عن اليمين وعن الشمال، فما إن تنتهي صلاة التراويح إلا ويبدأ الحضور الكثيف للأسر والشباب على امتداد الشارع.
ويوفر شارع النيل في كل من الخرطوم وأم درمان على امتداده متنزهاً طبيعياً، بخاصة في ظل وجود عدد كبير من العوامات الثابتة والمتحركة داخل النيل الأزرق، بينما تنتشر على رصيفه بائعات الشاي والقهوة اللواتي يوفرن المقاعد والأماكن الهادئة.
ويجد الشباب منفذاً لممارسة هواياتهم المختلفة من لعب الورق والشطرنج والضمنة، ويتسامرون حتى وقت متقدم من الليل، لينصرف الرواد لتناول السحور وبداية يوم جديد من أيام رمضان العامرة.
ترفيه وفن
الطيب محمد جابر، شاب في مطلع العشرينيات، قال “العاصمة الخرطوم تفتقر إلى وسائل الترفيه الجاذبة مثل المسارح والمنتديات الراتبة ودور الفن والسينما وغيرها من المنابر التي يتم ارتيادها بشكل عائلي. وفي ظل هذا المشهد الراكد، ربما يبدو مفيداً التوجه إلى شارع النيل خلال أمسيات رمضان لأنه يمثل المتنفس الوحيد للشباب والأسر”.
ويضيف “أتوجه يومياً مع مجموعة من أصدقائي لتمضية الوقت والترويح عن النفس وتبادل الأخبار السياسية وما يدور من أحداث راهنة في البلاد، علاوة على الاستمتاع بعدد من الفعاليات الثقافية والعروض الفنية الشعبية وقراءات الشعر والعزف الموسيقي وتناول السحور في أجواء غير نمطية تمنح مزيجاً من المتعة والاسترخاء”.
موسيقى وشعر
يتوزع عشاق الرياضة في أمسيات رمضان على مجموعة من ميادين كرة القدم المسورة والخضراء والمضاءة التي تعرف شعبياً بـ “ملاعب الخماسيات” وتنتشر على طول شارع النيل ويتم تأجير الملعب بمبالغ تتراوح بين 150 و200 جنيه للساعة الواحدة، ويبدأ اللعب في هذه الميادين عقب صلاة التراويح ويستمر حتى ساعات الفجر الأولى، كما تنظم دورات تنافسية يشارك فيها الشباب والكبار.
في المقابل، يقيم الهواة جلسات استماع للغناء مصطحبين الآلات الموسيقية الوترية مثل العود والغيتار والطنبور، كما يقدم الشعراء قراءات من تأليفهم.
واقع أليم
من جهته، قال الباحث في التاريخ الاجتماعي أبوعبيدة الفاتح يونس، “في كل رمضان يتفاجأ السودانيون بأن لديهم وقتاً يتعين قضاؤه في الترفيه، وهي مسألة مغيبة طوال العام لا ينتبه إليها الناس إلا مع مجيء الشهر الكريم. ثمة طقس يتكرر عاماً بعد آخر، هو النزوع للعب ’الكوشتينة‘ كنشاط ترفيهي رئيس خلال هذا الشهر ليلاً، ويقضي فيه الشباب معظم وقت الفراغ الرمضاني، ولا يبدأ الصيام إلا ويكون الشباب استعدوا له بـ’جوز كوشتينة‘”.
وأوضح “ظل الوضع على هذه الحال لعقود عدة، ليكشف عن غياب الترفيه ووسائله المتنوعة إلى جانب الأندية الثقافية، وهو الوجه الآخر لغياب عناية الحكومة في ما يتصل برعاية الشباب وتوفير حاجات ومستلزمات تنمية قدراته وتفجير طاقاته واستثمارها في العمل المنتج وفي الإبداع، أسوة بدول محيطة حرصت على إنتاج البرامج الترفيهية والثقافية لتلبية حاجات مختلف الفئات والشعوب. لا يتعلق الأمر بالحكومة وحدها، فقد كف القطاع الخاص عن الاستثمار في هذا المجال، لا سيما بعد إغلاق دور السينما والإبقاء على الإذاعة والتلفزيون”.
وأشار يونس إلى أنه “وفي محاولات للخروج من هذا الوضع الروتيني القائم، يعمد الشباب إلى ابتكار خطط للترفيه في الشهر الكريم بالتوجه نحو شواطئ النيل في مدن العاصمة وابتكار برامج ثقافية تشمل الغناء والشعر والألعاب التي لا تخلو بطبيعة الحال من لعب الورق إلى جانب ممارسة الرياضة مثل المشي أو كرة القدم”.
أرزاق وتسلية
كورنيش النيل في الخرطوم وأم درمان عالم من الحكايات، ليس على ضفافه الفن والمرح فحسب، بل هو مصدر رزق لبائعات الشاي وباعة متجولين أنهكتهم الأوضاع الاقتصادية. فهذا الشارع الشهير يسهم في زيادة مدخول كثير من الأسر لجهة أن النسوة يسترزقن منه، إلى جانب الصبية الذين يسوقون الحلويات والبسكويت والسجائر والمياه الغازية والفول والتسالي وغيرها من لوازم التسلية، ويجد الباعة وبائعات الشاي في هذه التجمعات الشبابية المتناثرة على جوانب النيل، سوقاً لترويج بضائعهم.
قناعة بالقليل
تعلق ليماء جعفر عمر، وهي شابة في مطلع الثلاثينيات، على برامج الشباب في أمسيات شارع النيل قائلة “يجيء شهر رمضان هذا العام والبلاد تعاني أزمة اقتصادية فاقمت معاناة كثير من الأسر في توفير الحاجات الأساسية التي تتم على حساب حاجات الشباب والأطفال وحتى الشيوخ للاستمتاع بأوقات الفراغ خارج المنزل، في الحدائق والملاعب، ومع الاضطرابات التي أصبحت سمة بارزة للشوارع والمخاوف الأمنية وصعوبة المواصلات، إذ لم يعد أمام كثر غير أن يقنعوا بالقليل، معزين النفس بانتظار غد أفضل”.
خدمات نوعية
ينفرد كورنيش النيل بخدماته المميزة لزبائن شهر رمضان وتقدم المطاعم قوائم مختلفة تتضمنها بوفيهات مفتوحة توفر أطعمة سودانية وأخرى عربية، ليتناول الصائمون وجبات إفطارهم وسحورهم خلال جولة بالمراكب النيلية تنطلق بهم في مياه النهر على أنغام الموسيقى.
وفي هذا الصدد يقول الفنان التشكيلي محمد الباهي الصادق “تحلو النزهة في شطآن النيل إلى جانب الاستمتاع بالفعاليات الثقافية والعروض الفنية الشعبية وقراءات الشعر والعزف الموسيقي في المنتديات، وتنتشر المقاهي الشعبية والكافيهات لتوفر أماكن لهواة السهر ومحبي الفن والترفيه”.
وأوضح أن “هناك عروضاً تشكيلية في أمسيات رمضان تهدف إلى جذب جمهور الذي لا يجد الطريق معبداً إلى قاعات العرض، لذلك حشد الفنانون لوحاتهم ورسومهم ووضعوها على جدران النهر من أجل نشر الوعي بالتشكيل وترقية ذوق الجمهور وتبادل الخبرات بين المحترفين والهواة”.
عثمان الاسباط
إندبندنت عربية