(1)
شهادتي في الاستاذ عثمان فضل الله الصحافي لا اقول شهادة (مجروحة) ولكن اقول شهادة (موثقة) تخرج من معرفة وعشرة وزمالة عمل كان فيها عثمان فضل الله مديراً للتحرير ثم رئيساً للتحرير نعمل تحت ادارته ورئاسته في صحيفة (الاحداث). وكان عثمان (مطبخاً) لإنتاج الافكار قبل انتاج المواد او اعادة صياغتها بلغة رفيعة تشبه المقال الشهير الذي كتبه عثمان فضل الله عندما كان مديراً للتحرير موجهاً لومه لمولانا محمد عثمان الميرغني عندما قال له : (اف) ، مكتفياً بهذا العنوان لمقال طويل نشر في صفحة كاملة وقد كان وقتها الميرغني يتقرب زلفى للمؤتمر الوطني. ومولانا ما زال يتقرب للمؤتمر الوطني حتى بعد ان اصبح (محلولاً) .. لا ادري ماذا يقول عثمان عن ذلك الآن وما هو العنوان الذي يمكن ان يكتب تحته؟
لا اكتم شهادة في حق زميل حتى وان اختلفت معه او كنت في الضفة الاخرى من اتجاهاته كما شهدت بذلك للطيب مصطفى رحمة الله عليه واحمد البلال الطيب رد الله غربته وحسين خوجلي الموسوعة الثقافية العظمى. دائماً اقول في نفسي ان الاقدار تضعني احياناً في مواقف اكون فيها شاهداً على مواقف احد الزملاء فلا اكتمها عليه فكيف يكون الحال اذا كانت شهادتي هنا عن عثمان فضل الله الذي قدم الكثير من اجل خدمة هذه الثورة وعرفته من قرب.
عثمان فضل الله هو شهيد الثورة الذي لم يمت.. او هو شهيد الصحافة الذي يمشي بيننا… اطال عمره ومنحه الصحة والعافية والقدرة على ان يظل دائماً في حالة بحث وشغف.
(2)
في الصحافة هنالك كثيرون يدفعون الثمن ويقدمون التضحيات دون ان يشعر بهم احد او ان نقول لهم (شكراً).. والصورة الثابتة في ذهنية معظم القراء عن الصحافي انه انسان غير مرغوب فيه وهو دائماً يبحث عن مصلحته ويكتب من اجلها… هذا الانطباع صدّر لهم وترسخ عندهم بسبب ممارسات الكثير من الصحفيين في العهد البائد. وقد تسبب النظام البائد في تثبيت هذا الانطباع وتأكيده.
الاعمدة الصحفية في العهد البائد الغالبية منها كان عبارة عن (ظروف) صحفية… وكل عمود بظرفه.
لا زلت ادهش من ان جهاز الامن والمخابرات في العهد البائد كان اذا البشير ركل صحيفة بقدمه او امتعض من مقال او (مانشيت) في احدى الصحف او همهم بذلك سراً صادر الجهاز في اليوم التالي كل الصحف.. بما في ذلك صحف الرياضة والتسلية.. وقد حدث ذلك عندما تمت مصادرة اكثر من (32) صحيفة لأن البشير ازعجته بعض الاخبار عندما كان يشرب قهوته صباحاً وهو يطالع الصحف التى كانت معظمها مملوكة لحزبه وناطقة باسمه.
عثمان في تلك الاجواء كان يتحرك بثورية وكانت مهنيته حاضرة حتى بعد سقوط النظام لم يتخل عنها وظل يتحرك في حدودها ليصادم بمهنية ويهادن بمهنية وأظن ان اكثر ما يقيد عثمان فضل الله هي (مهنيته) الشديدة، فهو يبحث عن (المهنية) في طبق الفول وفنجان القهوة وصف الرغيف وحافلة الكلاكلة.
(3)
ما اشهد به لعثمان انه عاد من الامارات وهو يشغل منصباً مرموقاً بمخصصات تبقى عندنا (اضغاث احلام) وجاء للسودان في توقيت صعب ـ كوبري المك نمر مغلق بالحاويات !! وكل موكب يخرج للشعب لا يخلو من شهيد او اثنين او ثلاثة.
عاد عثمان فضل الله في الوقت الذي خرج فيه غيره .. ومن بقى منهم ما زال يبحث عن الفرصة ويسعى من اجلها.
جاء عثمان ليشارك في المواكب والندوات الصحفية وليقدم خبراته ومجهوداته بطموحات كبيرة لكنه صدم بواقع ما زال النظام البائد يسيطر عليه.
كان عثمان فضل الله مع جسمه النحيل وصدره المعتل وقلبه الذي توقف يوماً في صالة التحرير وادخله لغرفة العناية المركزة في مواكب الثورة يطالب بالحرية والسلام والعدالة من شباب في عمر ابنه محمد.
بعد ان عاد عثمان للسودان دخلت زوجته الاعلامية ذكرى محيي الدين للعناية المركزة مدة ليست قصيرة كما لحق بها بعد ذلك ابنه البكر محمد الذي تعرض لحادث حركة ..وكان عثمان فضل الله مع هذه الظروف صامداً وثابتاً يتواجد في المواكب ويشعل فتيل الثورة على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي ويتوجع ويتألم من اجل الوطن ويدس وجعه الخاص من العامة ويسكت به، رغم ان قلبه كان يحترق مثل (سجارته) التي لا تفارق يده.
هذا الصحافي الذي ظل يسعى في المواكب مهرولاً ويجري وراء الخبر والمعلومة بجسمه النحيل اقعده (الغضروف) وعطل حركته ليغادر الى القاهرة مقعداً من اجل العودة من جديد للمواكب.
يشهد كل الزملاء الذين غادروا للإمارات وسافروا اليها من اجل الزيارة او البحث عن العمل لعثمان فضل الله ان شقته في الامارات كانت مفتوحة تماماً كما هو حال البيت الذي جاء منه في (العالياب) بولاية نهر النيل حيث الجود والكرم والباب الذي لا يسد.
(4)
بغم
يدفع الصحفيون حياتهم واعمارهم وشبابهم وصحتهم وعافيتهم في سبيل عملهم دون ان يكون لهم معاش او مكافأة نهاية خدمة او حتى تأمين صحي. والصحف عندما يمرض الصحفي او يقل انتاجه او يصل لسن المعاش والاحتجاب لظروف (فنية) تستغنى عنهم وتبقى مكالماتهم (مكالمات لم يرد عليها).
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهة