السودانيون في رمضان.. بين السفر إلى مصر والاحتماء بالمساجد
يُلقي الاقتصاد بظلاله القاتمة على كامل حياة السودانيين في رمضان. ويظهر ذلك في موائدهم البسيطة التي تخبر عن أحوالهم، والتي يُخرجونها إلى قارعة الطرق ليشاطروها مع الجيران والمارة الذين تتقطع بهم السبل.
ومع ذلك، يحاول السودانيون إبقاء شهر الصوم بمنأى عن الأزمات الاقتصادية التي تحاصرهم منذ سنوات، من خلال عاداتهم الموسمية من موائد الإفطار المنصوبة في الشوارع ونشاطاتهم التجارية، وطرق مقاومتهم لثالوث الغلاء وحر الصيف والقطع المنتظم (تقنين) للكهرباء. فهل نجحوا في مساعيهم لأن يكون “رمضان أحلى في السودان”، كما يقول إعلان لإحدى شركات الاتصالات في البلاد؟
رغم تباطؤ التضخم من حدود 422.8% في يوليو/ تموز 2021 إلى 63.3% في فبراير/ شباط المنصرم، فإن العملة المحلية واصلت تراجعها إلى نحو 600 جنيه للدولار الواحد، مما أثر سلبا في أسعار السلع وحركة الأسواق في الشهر الكريم.
الغالي متروك
رغم أن شهر الصوم يُعد أحد مواسم الشراء الرئيسة التي تشهد، عادة، مغالاة وقفزات كبيرة في الأسعار نتيجة الإقبال الكثيف على عمليات الشراء، فإن الملاحظة الأبرز خلال رمضان الحالي تمثلت في تنامي حالة الكساد في السوق المحلية. وهكذا، تراجعت أسعار سلع أساسية، وعلى رأسها السكر الذي هبط سعره 13% تقريبا، في حين استقرت أسعار معظم الخُضَر والفواكه والألبان ومشتقاتها.
يكشف الموظف رامي بخيت (54 عاما) عن أسلوبه في مقاومة الغلاء، من خلال اللجوء إلى الشراء بالتجزئة عوضا عن شراء المستلزمات والمؤن الغذائية بالجملة، كما كان يفعل سابقا.
ويقول للجزيرة نت إن توقفه وغيره من السودانيين عن الشراء بالجملة ساهم في خفض معدلات استهلاكهم للسلع، وحمل التجار على خفض أسعارهم أو تثبيتها خشية الخسارة.
في المقابل، يشكو عبد المنعم أبشر، صاحب “سوبرماركت” في ضاحية الكدرو، شمالي الخرطوم، من تراجع عمليات الشراء بشكل كبير في العام الحالي مقارنة بسابقيه.
ويقول للجزيرة نت إنه رغم ثبات معظم أسعار السلع المرتبطة برمضان، فإن معدلات الشراء ضعيفة ولا تشبه ما يحدث عادة في الشهر الفضيل، وحذّر من خسائر كبيرة تنتظر غالبية التجار، جراء كثرة العرض وقلة الطلب.
غياب الكهرباء
الخبر السار في رمضان 1444هـ كان بمرور أسبوعه الأول -على الأقل- من دون قطع منتظم ومتكرّر للتيار الكهربائي.
وكان وزير المال جبريل إبراهيم أعلن في أواخر 2022 عن وجود عجز في إمدادات الكهرباء يقدر بنحو 60%، في حين يغطي إنتاج الكهرباء 40% من أنحاء البلاد.
ورغم استقرار التيار الكهربائي، واصل السودانيون عاداتهم التي اكتسبوها من مواسم سابقة شهدت قطعا منتظما للكهرباء.
وتظل المساجد وجهة محببة لمن يرغب في العبادة وتمضية ساعات النهار الحار تحت أجهزة التكييف الحديثة، بعيدا عن صخب البيوت.
ويلجأ الباعة المتجولون، الذين يمثلون شريحة عمالية كبيرة في العاصمة السودانية، إلى المساجد القريبة من الأسواق، لأغراض العبادة والاحتماء من قيظ الظهيرة، ولأخذ قيلولة قصيرة تعينهم على مواصلة عملهم بقية اليوم.
ومن الوجهات التي يقصدها الشباب عادة في هذا الموسم شواطئ الأنهار، خصوصا قرب ملتقى النيلين عند جزيرة توتي التي تتوسط مدن العاصمة السودانية (الخرطوم، بحري، أم درمان).
ويقول الطالب الجامعي مدثر فاروق (23 عاما) إنه اعتاد تمضية النهار الحار في منطقة “مرسى توتي”، إما بالسباحة في النيل الأزرق أو بالجلوس تحت ظلال الأشجار المعمّرة.
مركبة نقل عام تتحرك شبه خالية في شوارع الخرطوم – الجزيرة
مركبة نقل عام تتحرك شبه خالية في شوارع الخرطوم (الجزيرة)
الخروج من الخرطوم
مغادرة العاصمة الخرطوم هي واحدة من أهم الطرق لمغالبة أزمات الاقتصاد والطقس. ويعد رمضان موسما للهجرة إلى الولايات ذات الطبيعة الزراعية، خصوصا أصحاب المهن الحرة الذين يعتبرون الشهر الكريم بمثابة إجازة سنوية وسط الأهل.
وتحولت مصر، منذ سنوات، وجهة للسودانيين خلال رمضان، هربا من الحر والغلاء والاضطرابات السياسية من جهة، ولأغراض السياحة والتجارة من جهة أخرى، مستغلين الطريق البرية التي تربط بين البلدين، لا سيما أن الرحلة لا تكلف كثيرا مقارنة بدخلهم الشهري.
ويبلغ سعر الجنيه المصري نحو 19 جنيها سودانيا، في حين يتراوح متوسط سعر الرواتب في السودان بين 60 ألفا و90 ألف جنيه (بين 100 و150 دولارا)، وهي تعادل بين 3 آلاف و4500 جنيه مصري.
ويؤكد موظف الحجز والمبيعات في إحدى شركات الطيران المحلية محمد أحمد إبراهيم أن القاهرة واحدة من أهم وجهات السودانيين الخارجية، ويقول للجزيرة نت إنه قبيل 15 يوما من حلول رمضان تبدأ الشركة في تسيير رحلتين إلى 3 رحلات مكتملة العدد يوميا إلى مطار القاهرة.
وتبلغ سعة الطائرة نحو 170 راكبا، مع وجود احتياط من الركاب بكل رحلة، في حين تصل أسعار التذاكر ذهابا وإيابا إلى 210 جنيهات.
المصدر : الجزيرة