رغم مئات النصوص الصحفية التي ظللت أكتبها منذ عام 2001 بالصحافة والرأي العام والأحداث والرائد وآخر لحظة، والسوداني إلا أن كثيراً من القراء لا يحفظون لي مقالات مثل تلك المقالات التي هاجمت فيها عام 2003 السيد مبارك الفاضل لدرجة أنه بدا لي أن ولادتي الحقيقية في الكتابة كانت صرختها الأولى في تلك المقالات.
ولاحظت أيضاً أن القراء لا يتصلون بك أو يرسلون بريداً إلكترونياً إلا إذا صرعت أحدًا، وكلت عليه أفخر أنواع الشتائم، ورفضته، وقذفت به لخارج الكرة الأرضية!.
هذا مزاج عصابي بدأ يتكون أخيراً، وتبلور الآن وأصبح مدرسة لها روادها ومريدوها، وأصبح لها الكثير من الغواة!.
اتصل بي قبل زمن أشخاص كثر (طولت ما سمعت أصواتهم)، منهم من أشاد بإنصافي للهندي عز الدين، ومنهم من ذكرني أنني كنت أحد ضحايا الهندي حين قررت الحكومة تنصيبي ملحقاً إعلامياً، ومنهم من حرضني على مهاجمة مزمل أبوالقاسم لأنه (مريخابي) على الرغم من أن المريخ هو الضفة الأخرى من روحي. أنا لم أهاجم أي كاتب عبر مسيرتي الصحفية لأنني على اعتقاد بأن دم الكاتب حرام على الكاتب الآخر، بل فعلت غير ذلك فقد كنت أكتب عن الإشراقات الصحفية في بلادنا منذ العام 1999 مستهلاً تلك السلسلة المتقطعة بضياء الدين بلال وخالد فضل وتواصلت السلسلة فشملت أحمد دقش ومشاعر عبد الكريم ومكي المغربي وكتبت مقرظاً كمال حنفي وهو على قيد الحياة وأسهبت في الثناء على حسن إسماعيل حتى استوزر. يأتي كل ذلك للتعبير عن روح أخوة تفرضها الكتابة؛ وعلاقة الكتابة من المصاهرات المقدسة، ومن نوع العلاقات التي تتقوى بمفردات الجمال.
وبالنظر إلى حرمة دم الكاتب، أشير إلى أن عدد الكتاب في بلادنا قليل جداً بالمقارنة مع مصر ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق والأردن، يكفي أنك تستطيع أن تشير في غمضة عين على روائيين عظام من مصر بدءاً من نجيب محفوظ، فتحي غانم، إحسان عبد القدوس، يوسف السباعي، إبراهيم أصلان، يوسف عبد المجيد، يوسف إدريس، حتى مرحلة علاء الأسواني ويوسف زيدان، وتنسحب هذه السلاسة على لبنان إذا ابتدرت بجبران خليل جبران ومررت بإلياس خوري واختتمت بعلوية صبح وحنان الشيخ وتعمدت عدم ذكر غادة السمان، لكنك تجد صعوبة إذا أجريت هذه النغمة على السودان بعد ذكر الطيب صالح وإبراهيم إسحق وصلاح حسن أحمد، لذا فالحفاظ على الكتاب وعدم مسهم معنوياً يشكل بداية وعي بدورهم في تجميل الحياة العامة.
الشتائم لا تحتاج لثقافة ولا اطلاع ولا تنقيب في السير الإنسانية ولا حتى نشرة أخبار لأنها في الأصل جنس غير أدبي وهابطة. إن أبلغ شتيمة سمعتها في حياتي كانت في السبعينات من القرن الماضي وأنا في طريقي للفتيحاب حيث كنت أنتظر الحافلة في نهاية بانت وكانت تلك المنطقة المجاورة للصهريج تسمّى (سبعة بيوت)، فجأة انبرت امرأتان (دشرتا) شتائم موجعة حفظت منها على الفور: “أكلتي قرشنا… وفرشتي برشنا… يا وسخانة يا موية العدة)!!.
قطعاً إذا كانت هذه المرأة على قيد الحياة، فإن إنتاجها من هذا الجنس سيغطي سوق الاستهلاك المحلي المستهلك لهذه الثقافة!!.
صحيفة الانتباهة