صلاح الدين عووضة يكتب: دكترني !

رمضان كريم..
وكلمة دكترني هذه من دكترة..
من دكتور ؛ من عبارة : بالله عليك يا دكتور صيرني دكتوراً..
وهي عبارة قيلت بالفعل..
فأحد منسوبي جهاز من أجهزة إعلام بلادنا طلب من مشرفه أن يدكتره..
ألح عليه…وأصر…وتوسل…وتذلل..
رغم أن بحوث الدكتوراه – والماجستير – باتت تُشترى جاهزةً من السوق..
وحتى شهادة الدبلوم ؛ وكلٌّ بثمنه..
فجامله صديقه المشرف وجعله دكتوراً..
فصار يفاخر بحرف داله إلى درجة جعلت حتى من دكتَّره هذا يندم..
أو كما نقول بعاميتنا : يقشر به..
فشهادة الدكتوراه أضحت أحد أوجه انحطاطنا في كل شيء ؛ ومنها السياسة..
ثم الهشتكة…والبشتكة…والقوقنة..
فلا ينافس حملة الدكتوراه في بلادنا الآن عدداً – وابتذالاً – إلا الغنايات..
أو المغنيات ؛ وتحديداً القونات..
وفي مجالنا الصحفي شهدت حادثتين – موثقتين – عن مدى هذا الانحطاط..
انحطاط شهاداتنا العليا ؛ ومنها الدكتوراه..
فحين شرع صديقي محجوب عروة في إصدار السوداني بدأ بإجراء معاينات..
وكنت عضواً بلجنة المعاينات – أو الاختبارات – هذه..
وتقدم لشغل وظيفة ريئس القسم الاقتصادي زميلٌ متخصص في الاقتصاد..
فلم يُجب عن سؤال واحد إجابةً صحيحة..
فدهش عروة ؛ وقرر استبعاده لولا تدخلي الشخصي بغية الإبقاء عليه..
قلت له : فلنعطه فرصة…ربما تهيب المعاينة..
ومنحناه الفرصة ؛ فلم يمنحنا ما كنا ننتظره في مجال تخصصه هذا..
ثم بعد فترة فوجئنا بمنحه شهادة دكتوراه..
وزميلٌ عزيزٌ آخر – هو أحمد البلال رد الله غربته – انبهر بشهادة إحداهن..
وكانت شهادة دكتوراه – وبامتياز – في اللغة العربية..
ورأى أن يستوعبها في وظيفة مدقق لغوي ؛ مع وعدٍ برئاسة القسم قريباً..
فهي دكتورة في لغة الضاد ؛ هكذا قال..
وبعد شهرٍ قيل لها شكراً ومع السلامة ؛ فقد كنا نصحح لها تصحيحها..
أو ندقق لغوياً…….تدقيقها اللغوي..
أو نقوم بمهام وظيفتها ؛ رغم حرصها على وضع حرف الدال قبل اسمها..
فكل مادة تصصحها تذيلها باسمها عقب حرف الدال..
أو بالأحرى : لا تصححها ؛ فهي في الحقيقة لم تكن تصحح بل تبشتِّن..
تماماً كما بشتنا سمعة الدكتوراه في زماننا هذا..
وقبل أيام قرأت مقالاً صحفياً لأحد الذين يقشرون بحرف الدال فصُعقت..
صُعقت من كثرة الأخطاء اللغوية – والنحوية – فيه..
ويكفي أن أضرب مثالاً واحداً عن فضائحه اللغوية هذه لتُصعقوا مثلي..
فقد كتب بسلامته يقول : إن الموضوعان التاليان..
وهو خطأ لا يمكن أن يقترفه طالب مرحلة متوسطة قبل زمان الانحطاط..
بل وربما حتى طالب خلوة..
وأكثر ما يغيظ – رغم كل هذا – الإصرار على القشرة..
تماماً كما تقشر القونة بتوافه المظاهر ؛ كإحاطة نفسها بأفراد حراسة مثلاً..
والترابي كانت شهادته من السوربون..
نال شهادة الدكتوراه في القانون الدستوري من هذه الجامعة العريقة..
ورغم ذلك انتهر مذيع الجزيرة حين أشار إليها..
فأحمد منصور كان منبهراً بشهادته هذه ؛ ويشير إليها كل حين وآخر..
فصاح فيه الترابي : يا أخي هذه مجرد وريقة..
ثم أضاف قائلاً : الإنسان في هذه الحياة بكسبه ؛ فصمت المذيع خجِلاً..
وأنيس منصور كره شهادة الدكتوراه..
كرهها رغم أنه كان الأول على دفعته – وبامتياز – طيلة مراحله الدراسية..
وسبب كرهه لها ما أصابها من انحطاط..
فهي لم تعد تشرف حاملها…ولا يتشرف بها هو..
فكيف إذا كان عايش زماننا هذا في السودان وقد بلغ الانحطاط قمته..
وأصبح عنواناً للعديد من مظاهره..
من هشتكني……وبشتكني……ورقصني…..ونقطتني..
إلى دكترني !.

صحيفة الصيحة

Exit mobile version