مقالات متنوعة

تصفيد الشياطين، واستمرار حدوث الخطايا في رمضان.

المقال الثامن
من (سلسة مقالات من وحي رمضان 1444).
وردت العديد من الأحاديث الصحيحة بأن الشياطين تصفد وتسلسل في رمضان:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ).
وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ).
لان كان التصفيد للشياطين والجن هو عزلهم وايقافهم عن اغواء بني آدم تماما في رمضان، أو كون ذلك اضعاف لقوتهم وعملهم بكون الصيام ينتج عنه الجوع والضعف فى العروق التي هى مجارى الشيطان فى الأبدان (كما ورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم)، وبالتالي يضعف تحركهم فى البدن، فكأنهم مسلسلون مصفدون لا يستطيعون حراكا إلا بعسر وصعوبة، فلا يبقى للشيطان على الإنسان سلطان كما فى حال الشبع والرى؛ إلا أن النظر إلى الأمر من زاوية مغايرة مطلوب، وهنا أستصحب معي حقائق معلومة بالضرورة، منها أن كيد الشيطان (في أصله) ضعيف كما قال ربنا:
{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} النساء 76
لقد ورد ذكر الشيطان على جهة الإفراد والجمع في القرآن في 88 آية، وورد ذكر إبليس في 11 آية، وفي كل هذه الآيات لا يجد المتدبر إلا (ضعفا) في خطابه وتفاصيل كيده إن كان لأبينا آدم أو ذريته، وابليس معترف أصلا بأنه عاجز عن اغواء عباد الله المخلصين:
{فبعزتك لأغوينهم أجمعين ° إلا عبادك منهم المخلصين} البقرة.
ثم إن آثام بني آدم أصلا ليست كلها من فعل وغواية ابليس والشياطين، انما بفعل مصدر آخر، ومن ذلك أول جريمة قتل ارتكبت على وجه الأرض، فقد كانت (النفس الأمارة بالسوء) هي الأساس في جريمة قتل قابيل لهابيل، وكان الدافع للقتل (الحسد):
قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} المائدة.
وكذلك كانت جريمة اخوة يوسف عليه السلام معه، اذ لم يرد ابدا ذكر الشيطان موسوسا أو غاويا.
وبالتالي فإن الآثام في رمضان سببها النفس الأمارة بالسوء، اذ تظل نفس الانسان الأمارة بالسوء لايطالها تصفيد في رمضان أو سواه، ولايسلم من سوئها إلا المتقين.
نعم إن ألد أعداء الإنسان الشيطان، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} فاطر 6.
لكن قال تعالى عن كيد ونزغ الشيطان:
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فصلت 36
فالاستعاذة بالله تبعد الشيطان وتلغي غوايته تماما.
وهو في الأصل:
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} النحل 99
ولكن قال الله عن الهوى والنفس الأمارة بالسوء:
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} الجاثية 23
فمن كانت نفسه أمارة بالسوء يستسهل ارتكاب المعاصي والآثام، ويصبح مطية للشيطان بل وجنديا من جنده.
وبحمد الله هناك خطوات لو اتبعها صاحب النفس الأمارة بالسوء تكون سببا لاصلاحها بتوفيق الله، ومن ذلك:
المشارطة: وذلك بأن تشترط عليها الاقلاع عن السوء، وأن تلزم تقوى الله وطاعته، وحبذا لو كان ذلك منك في كل صباح حتى تصل إلى ما تريد.
ثانيا المجاهدة: أن تأطرعا أطراً إلى طاعة الله من صلاة وصيام وتلاوة، وتلزمها إلزاماً بمخالفة الهوى.
ثالثاً المراقبة: أن تراقب نفسك هل هي فعلاً قد أوفت بما اشترطته عليها أم لا.
رابعاً المحاسبة: أن تحاسبها على الأفعال والأقوال.
وهناك العديد من المؤلفات في شأن إصلاح النفوس، ومنها (الروح لابن القيم)، و(مدارج السالكين)، و (مختصر منهاج القاصدين)، (صيد الخاطر لابن الجوزي)، وغيرها من المؤلفات العديدة.
وإلى اللقاء في المقال القادم ان شاء الله.
adilassoom@gmail.com

عادل عسوم
صحيفة الانتباهة