علي بعد أمتار من القصر الجمهوري .. غابة السنط .. مستعمرة الأشرار
* عيون تراقب الفريسة ثم تبلغ (البوس) بالتفاصيل عبر الجوال
* فتيات يستدرجن الطريدة بالنظرات والكلام المعسول ثم تكون المداهمة
* صائد لصوص الغابة يحكي قصته مع الخواجية والقرد والألف دولار
* تحت (شجرة المساطيل) تباع المخدرات ومجموعة تحتال باستمارات نظامية مزيفة
كراسي مختلفة ألوانها تراصت على حواف شارع الاسفلت الرابط بين الخرطوم وأم درمان، عند أسفل كبري الفتيحاب بالناحية الشرقية تتهادي اغصان شجر السنط لترمى بظلالها على حواف شواطئ النيل الابيض، تلك المناظر الخلابة كفيلة بان تغريك للتوقف عندها، ثم يدفعك الفضول للغور في أسابير الغابة ذات الأغصان المتشابكة والسيقان المتراصة، التغلل داخل تلك المستعمرة قد يدخلك في عش الدبابير ويجعلك طريدة لصيادين كثر ينسجون حبال الخديعة ليرموك في شباكهم المُحكمة التي لا فكاك منها إلا بدفع فدية لروحك، أو التنازل عن كل مقتنياتك بما فيها العشيقة، هكذا صار ذلك المتنزه مستعمرة للأشرار، مجموعات تفننت في نصب شراكها لكل من يبحث عن متنفس يقضي فيه سحابة نهارات رمضان الغائظة، كثير هي الروايات والحكايات التي تم سردها على لسان شهود عيان ل (الجريدة)، عاصروا تلك الفظائع المنظمة التي طالت حتى الأجانب الباحثون عن متناثرات السياحة السودانية، تغافل الدولة وقصر حيلتها في رقابة الثروات الطبيعية ترك فراغا شاسعا تسللت عبره تلك الوجوه والأيدي العابثة التي جثمت على غابة السنط لتصبح من أحدى مستعمراتهم المحررة من كل الاعراف والقوانين .
صائدو القرود اللصوص
ثلاثة صبية ورابعهم رجل أربعيني يجتهدون من أجل ربط خصر قرد صغير قبضوه أسفل شجرة سنط، كانوا قد وضعوا تحتها قدرا طفح حتى سدادته بـ(المريسة) ، القرود التي يطلق عليها البعض مجموعة اللصوص نتيجة لتعدد سرقاتها وسطوها على مقتنيات مرتادي وزوار غابة السنط، أصبحت طريدة لكثير من الصيادين والهواة الذين يقدمون لها المسكرات أسفل الشجر حتى ترتوي وتصبح عاجزة عن المقاومة أو تسلق الأشجار، ويحكي كبيرهم الذي يلقبونه بـ(طبيظ) أن أسهل طريقة للإمساك بالقرد هو أن تدعه يروى من مشروب المريسة، واسترسل القرود عندما تشرب المريسة وتصل حد السكر لن تقو على الحركة، ولن تتمكن من تسلق الأشجار لذلك يسهل صيدها، صيد القرود وسيلة قال أنه اكتسبها عندما كان يرعى الابقار في غابات أعالي النيل بمنطقة فنجاك بالجنوب، حكى كيف أنه وابناء عمومته كانوا يجمعون (المشك) من (الدنكوج)،ذلك المكان الذي غالبا ما يتم تشيده بطرف القرية وهو كذلك مكان تعرض وتباع فيه كل انواع الخمور البلدية ( مريسة، كونجو مورو وعسلية)، والمشك يقول طبيز هو (تفل) عصارة المريسة بعد تصفيتها، يستخدمونه لاصطياد القرود وكثيرا من الحيوانات الأخرى كالحلوف وكذلك صغار فرس النهر، عشرات السنين قال أنه ظل يمتهن صيد القرود وتربيتها ثم بيعها للخواجات وبعض اثرياء المدنية ولكن بعيداً عن عيون شرطة حرس الصيد، ويحكي طبيز أنه ذات مرة باع قرداً صغيراً لأحدى السائحات الاجنبيات بمبلغ ألف دولار (كاش داون)، الصبية الثلاثة تمكنوا من صيدهم الثمين لكنهم فشلوا في تسويقه، الصبية الذي توافدوا لرؤية القرد السكران لم يعجبهم سلوكة المتنمر.
صيادون داخل الغابة
مجموعة من الأشرار اتخذوا من الغابة مأوى لهم، يتميزون عن غيرهم داخل الغابة بلباسهم الأنيق وحسن مظهرهم، يروى عنهم انهم يعتمدون كثيرا في عملهم على استقطاب بعض الفتيات الجميلات من أجل الايقاع بالفريسة، هم يبدأون في مراقبة الفريسة منذ دخوله لغابة السنط، التفاصيل الدقيقة للفريسة الافتراضية يتم تمليكها ل الزعيم عبر اتصال هاتفي من أحد الصبية الذين تمت زراعتهم عند مدخل الغابة وغالبا ما تكون مصادرهم تعمل في غسيل السيارات أو في بيع المناديل أو السجائر..، وفقا لمصادر أمنية أن عدد كبير من المجموعة تم حبسها أثر قضية نهب السواح الأجانب، المجموعة تحت قيادة (البوس) الشاب (ود العجوز) استأنفت نشاطها بشكل أعنف بعد انقلاب 25 اكتوبر، عدد البلاغات المدونة في مواجهة المجموعة تجاوزت المائة بلاغا، ثلاثة منها فقط تم حسمها بعد الوصول الى الجناة ومحاكمتهم نتيجة ملاحقات طالت عدد منهم داخل احياء الطرفية، وحسب دفاتر الشرطة أن المجموعة تعمل في الجريمة المنظمة عبر استهداف الضحية ومتابعته وملاحقته منذ دخول الغابة، يتم تصنيفه بشكل عاجل، فأن كانت بمعيته فتاة يتم تصنيفه بأنه بتاع جكس، أما أن كان من هواة تدخين الشيشة أو البنقو فأنه يصف في خانة المساطيل، وحسب افادات كثير من الضحايا وبعض شهود العيان على كثير من الممارسات الاجرامية أن المجموعة بعد تصنيف ضحيتها تسعى للتقرب منه أن كان من أهل الكيف ويبدو عليه الثراء، حيث يتم تدخين سيجارة البنقو على مقربة منه، ثم سرعان ما يتم بيعه بعض السيجارات، وتظل الفريسة تحت المراقبة الى حين الاختلاء به يدخنون سيجارة البنقو، وبينما هم كذلك تقوم مجموعة مكونة من فردين أو ثلاثة بمداهمة القعدة شاهرين مسدسات وبطاقات مزيفة لرجال الأجهزة الأمنية، حيث تستولي المجموعة المداهمة وباتفاق مع مجموعة (قعدة البنقو) بمساومة الضحية واخذ كل ممتلكاته ومقتنياته من هواتف وأموال وفي كثير من الأحوال ينزعونه ملابسه ويتركونه.!
فتيات لإصطياد الفرائس
أن تكون بمعية فتاة جميلة وأنت تتجول داخل غابة السنط فحريا بك أن تكون على مرآى ومسمع من الناس، الإنزواء عن الأعين أو مسك يد الحبيبة والتوغل داخل الغابة بعيدا عن العيون هذا يضعك فريسة لتلك المجموعة التي ظلت تتصيد فرائسها من المغرمين والعشاق، تبدأ حوار المداهمة بتلفيق التهم بسرد كل المواد الجنائية، يوهمونك أنهم رجال شرطة وأنهم بصدد فتح بلاغ في مواجهتك بالقضية، يرسمون كل السيناريوهات أمامك عندما يتم إستدعاء أسرة الفتاة، هذا يكون حديث احدهم الذي يبني خطته على الوعيد وكيف سيكون حال أسرة الفتاة ، وبينما أنت في حالة من الذهول يتطوع احدهم بمنحك الحلول التي غالبا ما ترميك في دائرة الابتزاز والتخلي عن كل ما في وسعك تركه من أجل انقاذ سمعة أهلك وأهل حبيبتك، وهناك من يساومك على ترك الفتاة والهرولة خارج الغابة مغمض العينين.
روايات أخرى
كما ان ذات المجموعة تستخدم طريقة اخرى مختلفة للوقوع بالشباب خاصة الاثرياء الذين يرتادون غابة السنط من أجل الترفيه وقضاء أوقات من الأصدقاء، حيث يتم إستدراج الشاب من قبل إحدى الحسناوات التي تم استقطابها من المجموعة، وتقول الروايات أن المجموعة في هذه الطريقة تستخدم سياسة النفس الطويل للوقوع بالفريسة إلا أنها تعتمد كثيرا على ما تقدمه الفتاة من اغراءات لاغواء الشاب، ووفقا للعديد من الروايات ان الفتاة دائما تستدرج الشاب الى منطقة معزولة في أقصى الغابة جنوبا، ومع بداية الشروع في الرذيلة تتم مداهمتهما والقبض عليهما بتهمة الشروع في الزنا وكثيرا ما يتم نزع الملابس الخاصة بالشاب قبل الشروع في إبتزازه ونهب كل ما لديه من أموال ومقتنيات، أما الطريقة الثالثة التي ترى المجموعة أنها تحتاج الى سياسة النفس الطويل، فهي سياسة قد تستمر لأسابيع أو أشهر حتى تتمكن المجموعة من اصطياد الفريسة وهما متلبسين داخل الشقق أو المنازل التي غالبا ما تكون تابعة للفريسة وهنا تكون الفدية أعظم.
مستعمرة المخدرات
كثيرة هي الأمكنة والمناطق التي اشتهرت وراجت بين الناس ببيع المخدرات والسموم، هنالك أمثلة كثيرة لمناطق سميت بأسماء مدن وعواصم غربية اشتهرت ببيع المخدرات وتفشي الخمور مثل كولمبيا وغيرها، غابة السنط التي ما تزال على بعد خطوة من قلب العاصمة الخرطوم، تمددت بها المجموعات الاجرامية وتناسلت حتى أصبحت أشبه بالمستعمرة المحررة التي اصبحت في قبضة الاشرار، خاصة أن ما يتم تداوله بوسائل التواصل الإجتماعي، أن أغلب المجموعات المسيطرة تحاول إيهام الناس بأنهم مرافيد قوات نظامية، أو مازالوا يمارسون المهنة، تلك المزاعم والفرضيات عضدها تراجع الرقابة التي كانت تفرضها السلطات على الغابة، خاصة عندما يحين الغروب حيث تقوم القوى المناوبة بضرب الصفارة معلنة انتهاء المهلة المسموحة للترفيه، حيث تتسلل الأقدام من بين سيقان السنط الى حيث البراحات الآمنة دون أن تعكر صفوك تلك الفئات الشريرة المترصدة.
عبدالرحمن حنين
صحيفة الجريدة