ناهد قرناص تكتب: نحن مجبورين عليك
حاجة فاطمة جارتي ..تريد ان تعرض شقة التي اكملتها حديثا في بيتها للايجار ..كانت كلما اتى شخص لاستئجار الشقة ..تجلس معه لتسأله (سؤال نكير) ..ومن ثم ترفض ان تسكنه ..فيأتي اخر ..واخر ..حتى قلت لها (يا حاجة ..انت بتسألي كدا ليه ؟؟ انت مش البهمك زول يدفع ليك الأيجار كل شهر؟؟) ..قالت لي (لا يا بنتي ..الايجار زي النسب ..لازم تسأل عن الناس كويس وتتأكد من اخلاقهم …مش أي واحد تزوجه بنتك ولا تسكنه بيتك).
منطق حاجة فاطمة أثار اعجابي رغم انه متعب ومرهق ..فالجار قبل الدار ..والرفيق قبل الطريق ..ولو اتبع الناس هذا المنهج في حياتهم ربما لسادت الاخلاق والقيم الفاضلة ..لكن الحكم بالقشور والظواهر غلب علينا ..فاختلط الحابل بالنابل و(الاهلية كملت ..يا حبيب راحت) .
خطر في بالي منطق حاجة فاطمة وأنا اتابع خبر استقالة وزير الداخلية الفرنسي بعد اتهامات بشبهة (فساد) ..الفساد لم يكن اختلاس اموال ..او تلقي رشاوي ..لكن ابنتيه قد نالتا وظيفتين اثيرت شبهة في كيفية حصولهما على تلك الوظائف…وطيب ليه تستقيل يا اخينا ؟؟.. قال في تصريحه للصحافة ..أنه وبالرغم من تأكده من قانونية موقف بناته ..الا أن منصبه لا يجوز ان تحوم حوله اي نوع من انواع الشبهات ولا يحتمل أن يكون عرضة للشائعات ..لذلك هو يستقيل ويشكر كل من وثق فيه ابان فترة توليه الوزارة …وبس خلاص على قول الفنان شعبان عبدالرحيم .
الجدير بالذكر ..ان الحكومة الفرنسية الحالية .. أصلا في نهاية عمرها ..فالانتخابات الفرنسية على الأبواب ..وكلها كام اسبوع والسيد الوزير يتقاعد ..وكان من الممكن ان يصبر و(يخم الرماد) ..لكن تقول شنو في (الخفة و اللفة والاستقالة البلا عرفة) ..ولا تقول شنو في الضمير الصاحي في (الكفرة الفجرة ) ديل !!! غايتو ..أظن وليس كل الظن أثم ..ان وزير الداخلية الفرنسي المذكور أعلاه قد تم اختياره بطريقة حاجة فاطمة جارتي ..شخص تم التنقيب عنه بجدية ..وتمت (فلفلة) سيرته الذاتيه ..والسؤال عنه بدقة كما ذلك الذي تريد تزويجه ابنتك ..فكانت الحصيلة شخصية صاحية الضمير ..ذات حساسية عالية وحسن تصرف في المواقف الدقيقة …كان يجيب على اسئلة الصحفيين بثقة وتحد من يعرف نفسه جيدا ..واستقال في لمح البصر دون تردد وطبعا لم يوقفه احد او حاول اثناءه عنها.
كل ذلك الاستطراد .. عشان نقول اننا نحلم (وليس ذلك على الله ببعيد) ..بتطبيق منطق حاجة فاطمة في اختيار متقلدي المناصب في الحكومة الجديدة .. اننا لا نطلب الكثير .. ..فقط نقبوا عن الشخص المراد تكليفه ..ابحثوا عن أشخاص لم تشبهم شائبة ..لم تعكر صفو سيرتهم تهمة تخل بالشرف والامانة ..لا نريد شخصا سيرته بها ضبابية ..او (غبشة) ..اسألوا عن هذا الشخص كما تسأل حاجة فاطمة عن ساكن بيتها او زوج ابنتها ..لا تفكروا أن هذا سيضيق دائرة الاختيار ..فالشرفاء في بلادي (على قفا من يشيل ) .. .لن يعجزكم التعرف عليهم ..فهم موجودون في كل “مرتفع ومنعطف وشارع” ..ولسان حالهم يقول.. (البيسأل ما بتوه ..دارنا نحن قريبة ليك ..انت ما مجبور علينا ..نحن مجبورين عليك)
صحيفة الجريدة