الحكمة في جعل الصيام كفارة

المقال السابع.
من (سلسلة مقالات من وحي رمضان 1444).
كنت ازمع جعل هذا المبحث ضمن مقالي السابق (الصيام والتقوى)، لكنني وجدته يستحق الافراد لأهميته…
هل سألنا أنفسنا يوما لماذا جعل الله تعالى الصيام كفارة؟!
جعل الصيام (فدية) لحلق شعر الرأس في محظورات الإحرام، وكذلك جعل الصيام بدلاً عن الهدي لمن عجز عن الهدي.
وجعل الصيام معادلاً للهدي وإطعام المساكين في الصيد بالنسبة للمحرم.
وجعلت (صيام ثلاثة أيام) بدل كفارة اليمين عند العجز عنها وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو تحرير رقبة، على التخيير بين هذه الثلاثة.
فلماذا الصيام وليس الصلاة؟!
الإجابة على ذلك:
أن الصيام يلجم النفس ويهذبها، ويربيها على عدم العودة إلى مثل تلك الأخطاء الدالة على عدم الالتزام وانتفاء الانضباط والاخبات، لما فى الصوم من كبح لزمام النفس الأمارة بالسوء، وإعادة لها إلى التسليم والتزكية.
ولننتقل إلى درجة أعلى من الأخطاء والآثام التي تحتاج إلى كفارة:
لقد جعل الله الصيام كفارة للقتل الخطأ.
وجعل كفارة الظهار عتق رقبة مؤمنة، ومن لم يقدر أو يجد رقبة مؤمنة؛ فعليه الصيام بدلاً عنها شهرين متتابعين.
وجعل الله الصيام معادلًا لتحرير رقبة في ثلاثة أحكام من كتابه:
من قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} النساء 92.
وجعل على الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا تحرير رقبة من قبل أن يتماسا {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} المجادلة 4.
وجعل كفارة اليمين تحرير رقبة {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} البقرة 196.
عندما نتوقف عند (تحرير رقبة مؤمنة من رق الاستعباد) و(الصيام)، تجد تلازما بين استعباد الرق للرقبة مثار العتق، ورق مطالب الحياة وضرورات البدن ورق شهوات النفس، فالصيام عبادة تحرر النفس عن أسر كل ماسبق.
ولعلي أضيف أمرا لفت انتباهي:
هناك اجماع في المذاهب الأربعة بأن العاجز عن الصوم في كفارة القتل لا ينتقل إلى إطعام المساكين، بل يبقى الصوم في ذمته، حتى إذا مات تخير أولياؤه بين الصوم عنه أو إطعام ستين مسكينا، وذلك وقوفا عند ظاهر نص الآية الكريمة: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} النساء92.
ولنقف قليلا عند كلمة (توبة من الله)!، فإن صوم الشهرين المتتابعين ينبغي أن نستصحب معه علم الله وحكمته في ذلك…
وكفارة القتل كصفة كفارة الظهار في الترتيب، فيعتق أولا، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لكن لا إطعام فيها عند العجز عن الصوم في الأظهر، اقتصارا على الوارد فيها، إذ المتبع في الكفارات النص لا القياس، ولم يذكر الله تعالى في كفارة القتل غير العتق والصيام.
وقد حرصت على ايراد التفصيل الفقهي الأخير لأبين بأن اختيار الصيام ككفارة لاينفك عن العتق، حيث لايقوم مقام الصيام الاطعام، وهنا حري بنا أن نكون وقافين عن قول الله تعالى (الصوم لي وأنا أجزي به)!
اللهم تقبل منا صيام رمضان وقيامه، وأجعلنا ممن يصومه ويقومه على الوجه الذي يرضيك يارحمن يارحيم.
وإلى اللقاء إن شاء الله في المقال الآتي من (سلسلة مقالات من وحي رمضان 1444).
adilassoom@gmail.com

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version