تحديات أمام تكوين جيش موحد في السودان

تحظى فعاليات ورشة الإصلاح الأمني والعسكري في السودان التي تناقش آليات دمج الجيوش المتعددة بالبلاد في جيش مهني واحد باهتمام بالغ من قبل معظم فئات الشعب السوداني، نظراً إلى ما يشكله تعدد الجيوش من أخطار ومحاذير مقلقة في ظل الخلافات التي برزت أخيراً بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) حول هيكلة هذه القوات.

الفعاليات التي تنظمها القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري في السودان بالتنسيق مع الآلية الثلاثية، الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد، في الفترة بين الـ 26 و الـ 29 من مارس (آذار) تطرح عدداً من الأسئلة عن كيفية نظر المراقبين العسكريين تجاه خطوة الإصلاح وكيفية بناء الجيش الموحد وما تواجهه من تحديات.

مناورة وتكتيك

يوضح الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء ركن معاش أمين اسماعيل مجذوب “أن تأكيد قيادتي الجيش (البرهان) والدعم السريع (حميدتي) لدى مخاطبتهما ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي انطلقت أول من أمس الأحد، بأن خضوع المؤسسة العسكرية للحكومة المدنية الجديدة ليس مناورة أو تكتيكاً، بل أمر حتمي معمول به في كل الأنظمة العالمية بأن تكون الحاكمية للقوى المدنية، وطالما ارتضت المؤسسة العسكرية النظام المدني فلا بد من أن تكون التبعية للمدنيين”.

وتابع أن “دخول الجيش في السياسة عبر الانقلابات العسكرية هو الاستثناء باعتباره خطأ لا بد من تصحيحه من منطلق أن ما بني على باطل فهو باطل، وبالتالي فإن خروج المؤسسة العسكرية من السياسة تصحيح لأخطاء استمرت أكثر من 66 عاماً من عمر الدولة السودانية، فأي فترة تاريخية تسلمت فيها القوات المسلحة السلطة عبر الانقلابات العسكرية فهو خطأ، وأن خروجها من سدة الحكم هو الصحيح”.

خبرات الدمج

ومضى مجذوب قائلاً “مسألة دمج الجيوش العديدة في جيش واحد ضرورة لأنه لا توجد دولة حديثة لديها أكثر من جيش، والقيام بهذه المهمة ممكن بخاصة أن السودان يمتلك خبرات حيال عمليات الدمج، إذ سبق أن تم ذلك بدمج قوات الأنانيا بموجب اتفاق أديس أبابا 1972، وأيضاً في اتفاق نيفاشا 2005، واتفاق الدوحة 2011 وأسمرة 2011، إذ تم استيعاب ودمج مجموعات كبيرة من القوات التي كانت مناوئة للحكومة، فالخبرة والإرادة موجودتان، فضلاً عن أن هذه العملية تمثل أهم مطالب وشعارات الشعب السوداني التي ظل ينادي بها في ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير”.

وأضاف، “لكن بالنسبة إلى التحديات التي قد تعترض تكوين الجيش الواحد فقد تكون في عدم الالتزام من قبل القيادات بما تم الاتفاق عليه، إضافة إلى أن هذه العملية تحتاج إلى أموال ومعدات لوجيستية وخبراء دوليين للإشراف على التدريب والتقنيات الحديثة، فعدم توافرها سيكون عقبة كبيرة”.

وأردف الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية بالقول إن “من مصلحة حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وجيش تحرير السودان بقيادة أركو مني مناوي أن تكونان جزء من العملية السياسية الجارية الآن، وأن تعملان على دمج قواتهما في الجيش الجديد خصوصاً أنهما ما زالتا في الحكم وأن خلافاتهما مع القوى الموقعة على الاتفاق الاطاري تتركز حول توزيع كيكة السلطة، وبإمكان حركتي عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور اللحاق مستقبلاً بهذه العملية لأن الجيش الواحد لن يتكون في يوم وليلة ولا بعد خمسة سنوات فهي عملية مستمرة”.

صعوبة التنبؤ

من جانبه قال نائب رئيس تجمع قدامى المحاربين السودانيين العميد معاش السر أحمد سعيد إن “من الصعب التنبؤ بالمستقبل في شأن الوصول إلى جيش قومي واحد وما يتبعه من عملية إصلاح شاملة للمؤسسة العسكرية، فالمؤشرات غير مبشرة في ظل وجود قيادتين، قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وهذا إشكال كبير وواضح في أن هناك اختلافات عميقة بينهما حول هذه العملية”.

وواصل، “هذا الموضوع يحتاج إلى عمل متواصل لأنه مربوط بمسألة السلام، فمن دون تحقيقه بصورة شاملة لن نصل إلى أية خطوة باتجاه الاستقرار واستدامة الحكم المدني الديمقراطي وايجاد جيش موحد، فبلادنا منذ 1955 في حال حرب، وما تم من اتفاقي سلام 1972 مع حركة الأنانيا وفي 2005 مع حركة جون قرنق واجهتهما أخطاء في التنفيذ، وبالتالي فطالما هناك حرب فإن الجيش سيتدخل في الحكم مهما كانت هناك اتفاقات بحجة استتباب وإحكام الوضع من الانفلات”.

ولفت بأن “تكوين الجيش الموحد لا بد من أن تسبقه ترتيبات مرحلية، لأنه من الصعب خروج الجيش من السياسة في ظل وجود أي نوع من التوترات، ولذلك فمن المهم دخول كل أطراف السلام في العملية السياسية، فضلاً عن حركتي عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور، فالوصول معهما إلى تفاهمات تقود إلى مشاركتهما في الفترة الانتقالية وإنهاء التمرد أمر في غاية من الأهمية”.

رهان الاستقطاب حول الاتفاق الإطاري السوداني
وتابع نائب رئيس تجمع قدامى المحاربين “لكن السؤال المهم ما الكيفية التي يتم بها تكوين جيش واحد؟”.

في المرحلة الأولى لا بد من عملية الدمج بين القوات والتسليح تحت قيادة واحدة تتبع للقائد العام المدني، وأقترح أن تسند إلى قوات الدعم السريع مسؤولية حراسة الحدود على أن تكون أحد قطاعات القوات المسلحة الأخرى مثل البرية والجوية والبحرية، وأن تمثل في هيئة الأركان المشتركة”.

خروج من السياسة

وكان رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان قال خلال الجلسة الافتتاحية لورشة الإصلاح الأمني والعسكري إن بلاده تعتزم بناء جيش لا يتدخل في السياسة.

وأضاف، “نريد بناء قوات مسلحة بعيداً من السياسة والمشاركة في أي أعمال داخلية ما لم تطلب الحكومة”، موضحاً “نريد أن نمكن أية سلطة مدنية مقبلة من أن تكون القوات المسلحة تحت إمرتها”.

ونبه البرهان إلى أن المرحلة الراهنة معقدة ولا يمكن تجاوزها بسهولة، ودعا القوى الرافضة للعملية السياسية إلى الاطلاع على مقترحات الإصلاح العسكري والأمني، لافتاً إلى أنه سيخدم التحول الديمقراطي في البلاد.

فيما أكد نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو خلال كلمته ضرورة خروج السودان من كل أشكال الفوضى، وأن يشمل الإصلاح جميع أجهزة الدولة، مؤكداً أن هدف الجميع الوصول إلى جيش مهني موحد، مبيناً أن قوات الدعم السريع أنشئت وفقاً لقانون ينظم عملها.

5 قضايا للنقاش

وتعد هذه الورشة الأخيرة ضمن ورش ضرورية قررها الاتفاق الإطاري الموقع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بين المكون المدني والعسكري من أجل إجراء نقاشات معمقة حول خمس قضايا من ضمنها الإصلاح الأمني والعسكري، فيما من المنتظر أن تضمن توصيات هذه الورشة في ورقة الاتفاق النهائي قبل التوقيع عليها في الأول من أبريل (نيسان) المقبل.

وتستند عملية الإصلاح الأمني والعسكري إلى مبادئ عدة أقرها اجتماع للقوى الموقعة على الاتفاق الإطاري بحضور المسهلين في الـ 15 من الشهر الحالي، وأهم تلك المبادئ خروج الجيش والقوى النظامية الأخرى من الحياة السياسية والعمل الاقتصادي والاستثماري، إضافة إلى تنقية المؤسسة العسكرية من عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير ودمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش وفقاً لجداول زمنية يتم الاتفاق عليها.

واتفقت الفصائل السياسية السودانية على تشكيل حكومة انتقالية جديدة في الـ 11 من أبريل (نيسان) المقبل، بحسب ما قال المتحدث باسم الموقعين على التسوية السياسية خالد عمر يوسف في وقت سابق من هذا الشهر.

إسماعيل محمد علي

إندبندنت عربية

Exit mobile version