لا أطيق مجالسة انسان عبوس، وأحب الانسان البشوش الضحوك، ولكنني لا أحب الضحك على الآخرين او على عثراتهم، واستعيد هنا حكاية كتبت عنها من قل فعندما كنت مدرسا في “الخرطوم بحري الثانوية”، كان من عادتي أن أقف أمام حجرة الدراسة لنحو ثلاث دقائق بعد رنين جرس بداية الحصة، ولا أسمح بدخول طالب إلى الحجرة بعد دخولي فيها، وفي الحصة الثالثة من ذات يوم جاء طالب بعد بداية الحصة بعشرين دقيقة ونقر الباب طالبا الإذن بالدخول، فقلت له إنني لن أسمح له بالدخول، فقال منفعلا: طلعت من بيتنا 5 صباحا وأبوي وصلني بالحمار لغاية خط اللواري (الشاحنات)، ومن لوري إلى لوري ومن حافلة الى حافلة، ثم من موقف البصات الى المدرسة كداري (سيرا على الأقدام)، تقول لي “ارجع”؟ أنت ما نصيح؟ (يعني “مجنون”)، وتفجرت الأوضاع بانفجاري ضاحكا بهستيريا، وانتقلت العدوى الى الطلاب، فتفجرت الضحكات، ضحكت عندما تساءل الطالب عن مدى سلامة قواي العقلية، لأنني أدركت أنني مارست معه درجة من الغطرسة الإدارية – دون قصد – عندما رفضت السماح له بدخول غرفة الدراسة، غير مدرك لحجم معاناته كي يصل إلى المدرسة، ولأن عبارة “أنت ما نصيح؟” خرجت من فمه بعفوية أهلنا الطيبين، ولو انفجرت غاضبا لحظتها لظلمت نفسي قبل ان أظلمه
دعني أسألك: ألم تكره مادة أكاديمية معينة، لأن المعلم الذي كان يدرسها كان فظا أو سخيفا أو ثقيل الظل والدم؟ شخصيا تسبب مدرس في المرحلة الوسطى، في الطلاق البائن بيني وبين الرياضيات، لأنه كان زفر اللسان وكان طريقته في مخاطبتنا: اسكت يا ابن الكلب .. يا حمار .. لعنة الله عليك وعلى والديك ..
وأذكر دخولي لدورة مياه في مستشفى الملك فيصل التخصصي في العاصمة السعودية الرياض، ووجدت شابة تستخدم التلفون قرب أحواض غسل الأيدي، فنظرت إليها باستنكار، فخرجت مطأطئة الرأس، ثم اكتشفت لاحقا أن ذلك الحمام كان مخصصا للنساء، وكنت قد سألت عامل نظافة آسيوي عن موقع الحمامات فأشار الى “الموقع” بإصبعه وتبعت الاصبع فكان ما كان، وفي اليوم التالي كتبت مقالا في صحيفة الوطن السعودية، اعترفت فيه باقتحامي دورة مياه نسائية، واعتذرت لتلك الفتاة التي أرغمتها على الهرب، وفي نحو منتصف النهار اتصل بي مدير العلاقات العامة في المستشفى ضاحكا، ليبلغني أن فتاة رفعت إليه شكوى بأن شخصا، ترجح أنه سوداني، اقتحم عليها دورة المياه، وأن الفتاة عاودت الاتصال به ضاحكة لتسحب الشكوى بعد أن قرأت المقال
لتعرف قيمة الضحك، تخيل نفسك في مكان عام قبل سنوات وتتكلم عن حكومة الكيزان بلغة غاضبة ومفردات قاسية، وتخيل حجم العقاب الذي كان سينزل عليك، ثم تخيل أنك وقفت أمام قيادات في حكومة الكيزان، واعلنت – وهم يعرفون إنك كاذب – إنك عضو في الحزب الحاكم، ثم رفعت عقيرتك بالدعاء: ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺛﺒﺘﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺍﺳﻴﻨﺎ، ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺍﺟﻌﻠﻬﺎ ﻟﻮﺍﺭﺙ ﻣﻨﺎ ﻭﺍﻧﺼﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻋﺎﺭﺿﻨﺎ، ولا ﺗﺠﻌﻞ ﻣﺼﻴﺒﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺣُﻜﻤﻨﺎ، ﻭﻻ ﺗﺠﻌﻞ ﺭﺍﺣﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺃﻛﺒﺮ ﻫﻤﻨﺎ، ﻭﻻ ﻣﺒﻠﻎ ﻋِﻠﻤﻨﺎ. ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻤﺘﺪﺓ، ﻭﻫﺠﻤﺔ ﻣُﺮﺗﺪﺓ، والهمنا اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ، ﻭﻧﺴﺄﻟﻚ ﺍﻟﺤُﺴﻦ، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﺍﻟﺨﺎﺗﻤﺔ ﺃﺑﺪﺍ.ً ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻻ ﺗﻔﺘﺢ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺧﺰﺍﺋﻨﻨﺎ ﻟﻐﻴﺮﻧﺎ، اﻟﻠﻬﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺸﻌﺒﻲ، ﺃﻣﺎ ﺃﻋﺪﺍﺋﻲ فسأتفاوض ﻣﻌﻬﻢ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺭﺯﻗﻨﺎ ﺣﺐ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ، ﻭﺣﺐ ﻣﻦ ﻳُﺤﺐ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ، اللهم ﺛﺒﺘﻨا ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮاﺳﻲ ﺗﺜﺒﻴﺘﺎ، وﺷﺘﺖ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺗﺸﺘﻴﺘﺎ، ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻬﻢ بعثيا أو مستقلا ﺍﻭ ﺷﻴﻮﻋﻴﺎ، ولا تبق منهم إنسيا أو عفريتا، ورغم أن دعاءك هذا ينضح بالسخرية والتريقة الصريحة بمن يجلسون أمامك، سيضحك معظم من يستمع إليك في وقفتك الافتراضية تلك، ضحكا نابعا من القلب
الضحك لا يخفف فقط عن المهموم والمغموم، بل يمتص الغضب