ارتفاع الأسعار يضع معظم السودانيين على خط الفقر
إسماعيل محمد علي صحافي سوداني
أصابت معظم السودانيين حال من القلق لم يسبق لها مثيل، وتفاجأوا بزيادة كبيرة في أسعار معظم السلع الإستراتيجية وكذلك الخدمات، بخاصة المياه بنسبة تزيد على 100 في المئة، في وقت لم يتبق على شهر رمضان الذي تتضاعف فيه موازنة الأسر سوى 10 أيام، مما يجعل أوضاع معظم المواطنين المعيشية في غاية السوء والتردي.
وبحسب الأمين العام لغرفة الخدمات الاقتصادية في الخرطوم بدر الدرين عبدالمعروف فإن الأيام الماضية شهدت زيادة في الرسوم الجمركية لـ 103 سلع استهلاكية، فضلاً عن تعديل ضريبة رسم الوارد لعدد من السلع ومنها البنزين والجازولين والمنسوجات والأحذية وأجهزة وارد الأسمنت وغيرها، وهي زيادة غير منطقية وغير مدروسة في ظل الظروف الاقتصادية التي يعانيها السكان البالغ عددهم أكثر من 40 مليون نسمة، منوهاً إلى أن هذه الاجراءات قد تؤدي إلى التهرب الضريبي واتساع تجارة التهريب، ولن تحقق الزيادة المطلوبة في الإيرادات المالية للدولة.
لكن كيف ينظر خبراء الاقتصاد لواقع الاقتصاد السوداني وما تقوم به السلطات المتخصصة من إجراءات لتوفير موارد للدولة في ظل توقف الدعم الخارجي وأثرها في المواطن؟
وضع معقد
وقال وزير الدولة السابق في وزارة المالية السودانية والمستشار الاقتصادي والمالي لعدد من المنظمات والمؤسسات المالية والتنموية الدولية التجاني الطيب إبراهيم إن “الوضع الاقتصادي في السودان معقد وصعب، فالحكومة فقدت المساعدات الخارجية لدعم موازنتها بسبب انقلاب الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وأصبحت تعتمد على الإيرادات الضريبية التي تحصل عليها من الأفراد ومؤسسات وشركات القطاع الخاص من دون مراعاة قانون العرض والطلب، وهو غالباً ما يؤدي إلى انخفاض الإيرادات كلما تحركت الدولة في اتجاه زيادة الرسوم الضريبية، كما توقف كثير من المصانع وقل الاهتمام بالزراعة، فضلاً عن تقلص قطاع الخدمات وتراجع نموه 50 في المئة على رغم أنه كان أكثر الأنشطة نمواً”.
وتابع إبراهيم، “كذلك نجد أن حركة الصادر تراجعت حوالى 40 في المئة مقارنة بالعامين الماضيين، مما أدى إلى عجز في الميزان التجاري فالمشكلة أن أكبر حجم صادرات لدينا هو الذهب، لكن معظمه لا يدخل خزانة الدولة بسبب التهريب، فضلاً عن سيطرة بعض الجهات النظامية على الإنتاجية والقيام بتجنيب إيراداته وعدم انعكاسها على الموازنة العامة، ولذلك اتجهت الدولة في كثير من الأحيان لتغطية الإنفاق من أجل تسيير عجلة الدولة للاستدانة من البنك المركزي مما انعكس سلباً على الأسعار والتضخم وسعر الصرف، في وقت نجحت حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في توفير احتياط من النقد الأجنبي بمقدار 2.7 مليار دولار من طريق منح وقروض خارجية وتحويلات المغتربين، لكن سرعان ما تلاشى هذا المبلغ ولم يتبق من الاحتياط غير خمسة أو ستة أطنان من الذهب وهو وضع خطر للغاية، مما أدى هذه الأيام إلى تصاعد سعر الدولار مقابل الجنيه”.
هل عجزت حكومة الخرطوم عن دفع مرتبات موظفيها؟
وزاد وزير الدولة السابق في وزارة المالية “للأسف أن الجهات المتخصصة انتهجت السياسات المالية السابقة نفسها، لا سيما طمأنة المواطنين بأن الأوضاع تتجه نحو التحسن، فالآن هناك فجوة كبيرة بين الإيرادات والانفاق التشغيلي، ولعلاج هذا الوضع المتأزم لا بد من أن يكون للدولة وفر للغد والعمل على خلق واقع جديد من خلال ضبط المالية العامة وتحريك القطاعات الانتاجية، فضلاً عن إيجاد تناسق بين الإيرادات والانفاق بأن تصبح الدولة مثل المواطن، بخاصة أن السودان بلد زراعي وبإمكانه التركيز على هذا القطاع بشكل أساس مما قد يحدث في وقت وجيز تغييراً وتحولاً كبيرين، لكن لا بد من إزالة بعض المعوقات التي تعترض القطاع الزراعي خصوصاً في جانب الرسوم الجمركية والضريبية”.
عقلية جبائية
وفي سياق متصل قال أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية حسن بشير محمد نور إن “الوضع في البلاد مأزوم وموازنة الدولة في أزمة بسبب عدم وجود إيرادات، لذلك اتجهت السلطات إلى التركيز على جيب المواطن ومضايقته في المأكل والمشرب والمواصلات والسلع والخدمات من مياه وكهرباء وغاز ووقود بزيادة متواصلة في الرسوم الضريبية والجمركية، فأصبحت عقليتها جبائية بحتة لتغطية التزاماتها المحددة في تسيير الجهاز الحكومي والمكونات السيادية والصرف على الأمن والدفاع والجيوش واتفاق سلام جوبا، وبالتالي بات هناك إجهاد مالي كبير جداً ومبالغة في الضغط على المواطن”.
وأضاف، “بحسب ما ورد في الموازنة الحالية لعام 2023 فإن الإيرادات العامة شهدت زيادة بنسبة 21 في المئة، وصاحبها ارتفاع في الرسوم الضريبية بنسبة 116 في المئة، وشملت بشكل أساس السلع والخدمات والتجارة الخارجية، وشكلت مجتمعة 80 في المئة من إجمال الإيرادات، مما أحدث أثراً تضخمياً وتصاعد سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه الذي قفز من 570 إلى 607 جنيهات، فضلاً عن ارتفاع كلفة الإنتاج وضعف القوة الشرائية، إضافة إلى العجز في الميزان التجاري البالغ 7 مليارات دولار، وكذلك العجز في الحساب الجاري بحدود 2.4 مليار دولار مما يعني أن الاقتصاد مريض”.
برنامج إسعافي
ولفت محمد نور إلى أن “الأمل الآن لإصلاح هذا الوضع المتردي يكمن في الاسراع بتشكيل حكومة مدنية تعمل على تطبيع علاقتها مع العالم لتصبح الخرطوم دولة طبيعية ومحترمة تعمل على المحافظة على مصالح شعبها وإدارتها بشكل رشيد من خلال اتباع قواعد ومعايير الحوكمة، بخاصة أن هناك إنذاراً من المجتمع الدولي بضرورة تشكيل هذه الحكومة قبل الـ 31 من مارس (آذار) حتى يستفيد السودان من المساعدات الخارجية وبخاصة إعفاء الدين الخارجي البالغ أكثر من 60 مليار دولار، وهو أمر مهم حتى لا يكون هناك عبء وفوائد متراكمة وركود ومحنة متزايدة”، مضيفاً أن “على الحكومة الجديدة أن تبدأ فوراً بالإصلاح المؤسسي واعتماد برنامج إسعافي للاقتصاد له مسار واضح وجدول زمني محدد كالذي اتبع في حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، إذ حقق نتائج ملموسة وكان بالإمكان مطلع 2022 انطلاق الاقتصاد السوداني، لكن وقوع انقلاب الـ 25 من أكتوبر حال دون ذلك وأدخل البلد في هذه الأزمة المركبة”.
وختم أستاذ الاقتصاد السياسي بأن “ما تشهده البلاد من انفلات وتصاعد في الأسعار بخاصة السلع الإستراتيجية وتردّ اقتصادي في كل جوانب الحياة، سببه بالدرجة الأولى الأزمة السياسية التي ضربت السودان أكثر من 16 شهراً، فلا بد من أن ينظر إليها بأنها أزمة قومية لكن أساسها سياسي، فإذا لم تحل فلن تنصلح حال البلد بل ستزداد الأوضاع سوءاً عما هي عليه الآن، مما سينعكس على النواحي الأخرى الأمنية والاجتماعية وغيرها
إندبندنت عربية