شاهدتُ فيديو لمناسبة زواج في إحدى المناطِق القريبة من الخُرطوم، طغى فيه صوت الرصاص على صوت المُغني، والحماس الشديد والفرح بتلك المُناسبة، أغرى الجميع للتباهي باظهار (أسلحتهم) واطلاق الرصاص بشكلٍ كثيف، لمُشاركة أهل الفرح فرحتهم، ولم نعُد نستغرب، أو نسأل عن مصادر هذه الأسلحة، المُتاحة اليوم في سوق الله وأكبر لمن بيده المال، حتى النساء اعتدن على صوت الرصاص، بل وتعلو زغاريدهُن كُلما علا صوته وزادت سُرعة طلقاتِه، فالأمر أصبح عادياً لا يدعو للدهشة، في زمانٍ تسلّح فيه الجميع تحسُباً ليومٍ أسودٍ، نسأل الله أن لا يحٍل على بلادنا هذا اليوم.
ما دعاني للكتابة عن هذه المشاهِد الكئيبة، واجترار ما رأيته فيها، تلك المغامرة (الخطيرة) التي قام بها أفراد ما يُسمى بحركةٍ تمازُج، خلال الأيام الماضية، ومداهمتهم لقسم الشُرطة (الجنوبي)، ونُكرر لمن لم يسمع بالخبر، نعم القسم الجنوبي ذاتو، المُجاوِر لمجمع خدمات الجمهور في السجانة، والقريب من حيث الجغرافيا من رئاسة الشُرطة، ومن الوزارة بل ومن كُل الوزارات، ومن كُل شئ، وقد داهمت مجموعة سيارات تحمل بعض الأشخاص المُسلحين، قسم الشرطة بوجوهٍ مكشوفة وبزيٍ معلوم، لاخراج زملاء لهم، زجت بهم السُلطات الأمنية في الحراسة، أشهروا أسلحتهم في وجه أفراد قسم الشرطة، لاطلاق سراح زملاءهم، وذهبوا في حال سبيلهم، تدفعهم النشوى بالانتصار، لارتكاب المزيد من الحماقات، كلما دعت الضرورة، في زمانِ اللا دولة.
من آمِن العقوبة (حقاً) أساء الأدب، فالحادثة دليل على عدم اعتراف البعض بالدولة وبالقانون، وأظنها ليست المرة الأولى التي يحدُث فيها مثل هذا الفعل، وكُل من حمل السلاح، استهان بالدولة وقوانينها، في زمان الفوضى، وفي الذاكرة أيضا، ما حدث بالأمس القريب إذ اعترضت مجموعة مُسلحة أيضاً في أم درمان، خط سير سيارة نقل المساجين، وتمكنت من تحرير سجين كان بداخلها بالقوة، وليتها الأخيرة.
نجاح مثل هذه المُغامرات، وفشل السُلطات في حسمها في حينها، يدفع حملة السلاح السائب، لارتكاب حماقات أخرى، تزيد من هشاشة الأوضاع الأمنية المُتردية، وتهدِم ما تبقى من جسور الثقة المتهالكة، بين مواطِنٍ لم يعُد آمناً في داخِل منزله، وشُرطة منوط بها حمايته، وحفظ أمنه، وفاقد الشيء قالوا لا يُعطيه، فهل يحمي الناس من لم يستطع حماية نفسه..؟، ونقول من هذه الزاوية للسيد وزير الداخلية المُكلّف، بدلاً عن كتابة البيانات المُبهمة، لتذكير الناس بتاريخ الشُرطة، ودورها في حماية المواطن، فهذا واجبها، الذي لا يجب أن تنتظر عليه الحمد من أحد، عليكم بالبحث عن آليات ردع جديد تُعيد لهذه المؤسسة بعض هيبتها، وحتى لا يحدُث غداً ما لا يسُر، فعودة مكانة الشُرطة وهيبتها ضرورة نحتاجها اليوم قبل الغد، للاستقرار المُبتغى.
ودي ما المدنية الدايرنها يا سعادتك.
صحيفة الجريدة