حيدر المكاشفي يكتب: ما السياسة ومن السياسي!!
في المؤتمر الصحفي الذي عقده الأحد الماضي، ياسر سعيد عرمان رئيس الحركة الشعبية شمال (التيار الثوري)،واستضافته منصة (سلا نيوز)، استوقفني قول ياسر (اتفقنا على معايير رئيس الحكومة، وهناك أسماء مطروحة لشغل المنصب، وزاد وهنا بيت القصيد، رئيس الوزراء يجب أن يكون سياسياً). وعن لي بمناسبة قوله إن رئيس الوزراء المرتقب يجب ان يكون سياسياً، أن أتساءل ما السياسة ومن هو السياسي الذي يقصده ياسر عرمان، فقد بدا لي أنه يقصد الفاعلين في العمل السياسي الحزبي والتنظيمي والناشطين في هذا المجال، أي أولئك الذين يحترفون السياسة بـ(طق الحنك) ويمارسونها بمعناها الحرفي ومتفرغين لها ولا حرف ومهن لهم غيرها..وتحضرني في هذا الصدد افادة للدكتور حسن الترابي (رحمه الله) قال فيها انه (شغال سياسي)، كان ذلك عندما كنت صحافياً متدرباً بصحيفة الأيام، وتم تكليفي يومها بتغطية محكمة مدبري انقلاب مايو لتغيب المحرر الأول، وكان محامو الانقلابيين وعلى رأسهم عبد الباسط سبدرات استعانوا بدكتور الترابي للشهادة في صالح الانقلابيين، وقف الترابي أمام المنصة وبدأ القاضي في تدوين معلوماته الشخصية قبل الادلاء بشهادته، وحين سأله القاضي عن المهنة قال الترابي (سياسي) ولم يقل خبير قانوني وهو الضليع في القانون الدستوري..المعلوم منذ بدء الخليقة أن لكل انسان مهنة يعمل عليها ويكسب منها رزقه وتشكل هويته وشخصيته، فتجد الصحفي والطبيب والمهندس والمحامي والمدرس والمحاسب والسائق والعامل والحداد والنجار ووو مما تعدون من مهن، فهل يا ترى يمكن ادراج (السياسة والساسة) ضمن قائمة المهن وأن تكون بطاقة تعريفية للشخص، وتصبح مهنة معتمدة حتى في الوثائق الثبوتية، ويصبح من حق السياسي ان يكتب فى خانة الوظيفة (سياسي)..وأجدني هنا على اتفاق تام مع الباحث شمس الدين ضو البيت، الذي عزا سبب هذا المفهوم الملتبس للسياسة والسياسي، لترسخ ممارسة السياسة عندنا على أنها أساليب الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها وجني ثمارها ووجاهاتها، بغض النظر عن أساليب الوصول أو الاحتفاظ بتلك السلطة. ويضرب أمثلة على ذلك بشراء النواب في البرلمانات، وبناء أذرع داخل القوات المسلحة للانقضاض السريع على السلطة، وصناعة المليشيات، وتمزيق الدساتير، واختطاف أجهزة الدولة واستغلال الدين..الخ. ويمضي ليقول هذه ليست السياسة في تعريفها الحقيقي، لأن السياسة هي في الأصل علم بناء الدول والمجتمعات، وهي من أكثر أدوات التغيير أهمية، ولم تبلغ أي دولة شأوا في عالمنا المعاصر إلا بتصدي جهات سياسية أحزاباً وأفراد ببرامج استراتيجية مدروسة وصحيحة لمهمة بناء مؤسسات دولهم ومجتمعاتهم. ولم تصل أي دولة أو مجتمع في عالمنا المعاصر، ومن بينها بلادنا ومجتمعنا، إلى الحروب الأهلية وحافة الفشل والانهيار إلا لغياب مثل هذا الجهات بذلك المفهوم العلمي للسياسة. بهذا المفهوم الجديد للسياسة فإن كلا من المشاركة في الانتخابات أو الحياة السياسية كمرشح حزبي أو مراقب مدني فهو عمل سياسي بامتياز، لا اختلاف بينهما إلا أن الأول يرمي للاستعانة باجهزة ومؤسسات الدولة في التغيير والثاني يستخدم الأدوات المدنية والثقافية، ولكنهما يتكاملان معا لبناء الدولة والمجتمع..فمن هو السياسي الذي يقصده عرمان..
صحيفة الجريدة