يستقبل المواطنون شهر رمضان المعظم هذا العام، وسط ظروف اقتصادية قاسية على قطاعات واسعة من المجتمع، في وقت تشهد فيه الأسواق ارتفاع أسعار لمستويات ”ليست في متناول يد الغالبية العظمى”، من المواطنين، وعانت الأسواق من الركود وضعف القوة الشرائية بسبب غياب الكاش وارتفاع الأسعار مع تعدد المتطلبات المتعلقة بشهر الصيام.
ظروف اقتصادية متردية
وأثَّرت الظروف الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، على قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم المعيشية وتوفير السلع والمستلزمات الاستهلاكية، وزاد الأمر سوءاً ارتفاع معدَّلات الفقر في السودان لمستويات عالية، كانت تقدِّرها الحكومات السابقة بـ “46%” من جملة السكان، وهو رقم بعيد عن الواقع بحسب ما يقول مختصون، حيث يؤكدون أن أكثر من 75% من سكان السودان فقراء وفق المعايير المحلية، ويرتفع الرقم إلى “90%” بالمعايير العالمية.
وبسبب التغييرات السياسية، وما صاحبها، دفع المواطن ثمناً للفراغ، تمثّل في غياب الجهات التي من المفترض بطبيعة مهمتها متابعة توفير السلع وتوزيعها للمستهدفين، فيما تواصلت مساهمات بعض الجهات مثل ديوان الزكاة في توزيع كيس الصائم ومستلزمات رمضان للشرائح الفقيرة، لكن هذه المجهودات بطبيعة الحال ليست بحجم الأزمة، وإن أسهمت في التخفيف منها بشكل طفيف.
صعوبات معيشية
بشكل عام، يبلغ متوسط الصرف على الغذاء ما بين “30 -40%” من دخل الفرد، لكن في السودان تتجاوز النسبة 90% أو أكثر لتبلغ 100% مما أدى لترك الكثيرين لبعض الأساسيات وإضافتها للكماليات نسبة للانشغال بأولويات لا يمكن الاستغناء عنها.
“أحمد” الموظف بإحدى مؤسسات القطاع الخاص، بات بالنسبة له توفير كافة متطلبات أسرته الصغيرة ضرباً من المحال، ويقول أحمد لـ (الصيحة)، إن موجة الغلاء التي اجتاحت الأسواق، فاقت قدرتهم المادية، خاصة مع تواضع الأجور، وعدم كفايتها لتلبية المتطلبات المعيشية، والارتفاع المضطرد لتكلفة المعيشة وزيادة أسعار السلع.
يمكن تعميم هذه الحالة التي يمر بها هذا الموظف، على قطاع واسع من المواطنين بالسودان، فبات توفير لوازم المعيشة معاناة يكابدها الموظفون، أما الشرائح الأشد فقراً وممتهنوا المهن غير المستمرة، يبدو حالهم أكثر سوءاً من ذلك، فكيف يتمكَّن المواطنون من تدبير احتياجاتهم المعيشية وسط هذه الظروف، مع تصاعد تكاليف السكن والعلاج والتعليم ومنصرفات الحياة اليومية لحد فاق القدرة على مجاراته قياساً بمعدَّلات الرواتب السائدة.
تحرُّك طفيف
وقال عبد الباقي الشيخ، وهو تاجر سلع بالخرطوم، إن انخفاض حصول الموظفين على مستحقاتهم قبل شهر رمضان قد يؤدي لتحريك السوق، موضحاً في حديث لـ (الصيحة) أن الطلب على السلع ما يزال ضعيفاً، بالرغم من اقتراب دخول شهر رمضان، وقال: إن التوقعات تشير لتنامي القوة الشرائية خلال الأسبوع السابق لرمضان، وزيادة حركة السوق. وقطع بأن الوضع أفضل مما كان، حيث كانت الأسعار ترتفع سنوياً في مثل هذا الوقت بالتزامن مع شهر رمضان، موضحاً أن بعض المواطنين وخاصة من ذوي الدخل المحدود لا يمكنهم توفير متطلبات الشهر دفعة واحدة، وبالتالي يقومون بشراء السلع على فترات متقطعة كل أسبوعين أو عشرة أيام.
يشير عبد الباقي، لصعوبة تصريف البضائع بأقل من سعر الشراء، موضحاً أن البضائع الموجودة عند التجار بالأسواق تم شراؤها بسعر قديم ولا مجال لبيعها دون استرداد قيمتها، إضافة إلى ذلك، يشير تاجر آخر إلى أن تسعيرة المصانع ومراكز التوزيع والوكلاء لم تشهد تغييراً، وقال إنهم يحصلون على بضائعهم من هذه الجهات، وقطع بأن انخفاض الأسعار من عدمه تتحكم فيه جهات لا دخل لهم بها كتجار، وزاد: من الأفضل للتجار والموزعين تخفيض السعر حتى يتم تصريف أكبر كمية ممكنة من البضائع، لافتاً إلى أن ارتفاع الأسعار خلال الفترة السابقة، لم يكن في صالحهم، مشيراً للكساد الذي ضرب التجارة، وأصبحت كمية البضائع المباعة أقل بكثير مما كانت قبل ارتفاع سعرها.
تغيُّرات الأسواق
وتشهد الأسواق، تزايدًا مستمراً في أسعار السلع، وتعتبر زيادات شهر رمضان متوقعة، وتحدث سنوياً، لكن ما حدث هذا العام هو العكس، وتعتبر هذه الفترة من كل عام، وقتاً تحدث فيه زيادات تشمل كل السلع الاستهلاكية، مما يجعل البعض يرى أن الأسواق تستقبل رمضان هذا العام وهي بوضع أفضل حالاً مقارنة بالسنوات الماضية، حيث لم تشهد الأسواق تغيُّرات كبيرة في الأسعار، كما كان يحدث كل عام، فيما لم تصدق توقعات انخفاض الأسعار، ووضع السلطات ضوابط لإحداث استقرار نسبي في الأسواق.
انخفاض التضخم
ورغم توالي انخفاض معدَّل التضخم طوال العام الماضي، توقع مختصون وخبراء اقتصاديون انخفاض أسعار السلع بذات المقدار، وهو ما لم يحدث، وتباينت آراء المختصين والمسؤولين في قطاعات اقتصادية مختلفة حول عدم انخفاض أسعار السلع.
وقبيل شهر رمضان ارتفع سعر جوال السكر الكبير 50 كجم إلى 31 – 32 ألف، والسكر المستورد 28 ألف، فيما تباينت أسعار السلع الرمضانية، وبلغ جوال العدسية “55” ألف جنيه، وجوال الكبكبي “45” ألف جنيه، وعبوة الزيت 4 لتر “6500” جنيه، وكيلو العدس “1400” جنيه، والأرز “700” جنيه، وباكت الدقيق “7” ألف جنيه، وهذه الأسعار قابلة للزيادة بحلول شهر رمضان.
أسباب الأزمة
ويشير مختصون، إلى أن الضائقة المعيشية التي يعاني منها المواطنون ترتبط بمشكلات الاقتصاد الكلي، وتتمثل إحدى أهم مشكلات البلاد في التزايد السنوي لمعدل الاستهلاك مع تناقص الإنتاج أو بقائه على معدَّل ثابت لعدة سنوات، وهو ما يتجلى في كل القطاعات الاقتصادية، كما أدت مشكلات اقتصادية مركبة تعاني منها البلاد لإلحاق الضرر بالمستهلكين المحليين، ولا ننسى أن هناك سياسات حكومية أدت بذات القدر من الأضرار تمثلت في تحويل الحكومة لبعض الخدمات إلى سلع تباع للمواطنين، ولم تتم أي معالجات حكومية للتخفيف من وطأة هذه المعاناة.
فوضى الأسواق
وتصف الخبيرة الاقتصادية، د. إيناس إبراهيم، ما يعانيه المواطن من ضائقة معيشية وغلاء أسعار السلع بالأسواق بـ “الفوضى”، وأرجعت الأمر لتقاعس الجهات المختصة عن القيام بدورها، خاصة وزارة التجارة في مراقبة الأسواق، وقالت إنها غائبة تماماً عن لعب هذا الدور المفترض، ودعت السلطات والقائمين على الأمر بالولايات والمحليات بإعداد خطط تمكن من إيصال السلع الاستهلاكية للمواطنين بأسعار مناسبة وأن تحد من الفوضى والتضارب في تسعيرة السلعة بين كل فترة وأخرى، وقطعت بأن السياسات الاقتصادية التي تم تطبيقها في السنوات الأخيرة تسببت في خلل كبير يعاني منه المواطن حالياً، وقالت: إن هذه الجزئية يجب أن تتصدر اهتمامات الحكومة المقبلة وأن تضع حلولاً مناسبة لمعالجة الوضع المعيشي المتردي.
الخرطوم- جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة