كلنا نخطئ وتزل أقدامنا، وبعضنا يقع ولا يقوم، والبعض يتعثر وينهض ويواصل المشوار، (هنالك مثل سوداني جميل في هذا المعنى يقول: العثرة تصلح المشية، وهي كأن تقول إن الإنسان يتعلم من أخطائه وفشله، وخير الخطائين التوابون)، وهناك من يخطئون أو يقعون في الخطأ عامدين قاصدين، وهنا يزول الخط الفاصل بين الخطأ والخطيئة.
اعترفت في مقالي هنا الأسبوع الماضي بأنني كنت ضعيفاً في مادة الرياضيات وانني زورت نتيجتي في تلك المادة، فبعد أن حصلت فيها على 19 من 100 صارت الـ 19 بجرة قلم 69، وانكشف أمري لأنني من فرط جهلي بالأرقام لم أعدَّل المجموع النهائي في النتيجة المدرسية، ولم أكن أعرف أن من يحصل على 69 من 100 في الرياضيات يعتبر متفوقاً ومتميزاً بينما كان أهلي يعرفون أنني كنت أحسب ناتج 3+2 على أصابعي وعمري 16 سنة، ولكن جريمتي تلك أخف مما فعله ثلاثة تلاميذ في مدرسة سانتا ماريا ببوينس آيرس بالأرجنتين، فعشية امتحان الرياضيات في نوفمبر الماضي، اكتشف ثلاثتهم بعد (مذاكرة) استمرت سبع ساعات أنهم لا يفهمون كثير شيء في تلك المادة، فقرروا التخلص من الامتحان بالتسلل إلى المدرسة، ولكنهم لم يستطيعوا تحديد مكان تخزين أوراق امتحان الرياضيات فلم يكن أمامهم سوى التخلص من المدرسة نفسها، وهكذا أشعلوا فيها النيران وتخلصوا من الرياضيات والجغرافيا والأسمنت والحديد والخشب، واستمتع المئات من زملائهم بعطلة طويلة لعدم وجود مدرسة بديلة، واستمتع الطلاب الثلاثة بإجازة شبه مفتوحة من التعليم ككل بعد أن تقرر حرمانهم من الدراسة لعامين متتاليين.
هذه كبوات وزلات بسيطة نسبيا، ولن أتكلم عن الكبوات الكبيرة لأن في ذلك «كبوة» ذات عواقب وخيمة، يعني تتكلم عنها «تروح فيها». ولكنني سأتوكل على الله وأعطيكم عينة وسأجعل الفاعل مبنيا للمجهول، وأسأل الله ألا يجعلني ذلك نائبا للفاعل: أرسلت دولة عربية وزير خارجيتها على رأس وفد إلى كوريا الشمالية، تلك الدولة التي تُوصَف بالفالتة rogue state لكونها ذات أسنان نووية وخارج بيت الطاعة الأمريكي، لتقديم رسالة إلى رئيسها وقتها كيم جونغ إيل والد الرئيس الحالي، ووصل الوفد الى كوريا والتقى بالرئيس وسلمه الرسالة، ولكن الرئيس قال لهم: ما هذا يا… النمرة غلط، فالمفروض أن تقدموا الرسالة لرئيس كوريا الشمالية وأنا رئيس كوريا الجنوبية، وثمة وفد عربي – أفريقي توجه الى عاصمة دولة مجاورة لحضور مؤتمر حول الأمن الإقليمي، وهناك اتصلوا بوزارة خارجية ذلك البلد لتقديم احتجاج لأنهم لم يجدوا من يستقبلهم في المطار فجاءهم الرد: وأنتم أساسا جايين ليش؟ المهم أن جميع الدول المشاركة في ذلك المؤتمر كانت قد تلقت إخطارا بتأجيل موعد انعقاد المؤتمر، ولكن رسالة التأجيل تلك ضاعت في دهاليز الحكم في الدولة التي أتى منها الوفد، فقال أعضاء الوفد: خيرها في غيرها وقضوا بضعة أيام يمارسون التسوق في البلد المضيف مستفيدين من بدلات المهمة الرسمية.
في السودان تقرر افتتاح مصنع ضخم للسكر في يوليو من عام 2011، وجاء المسؤولون الكبار حاملين المقصات، وقبل قص الشريط، أبلغتهم إدارة المصنع بأنه ليس من الممكن تشغيل المصنع، لأن الشركة الأمريكية التي وفرت نظام التشغيل رفضت تسليم الإدارة كلمة المرور الالكترونية بسبب العقوبات التي تفرضها واشنطن على السودان. واليوم المصنع «شغال» ولا أعرف هل استعانوا بهاكر لسرقة كلمة المرور أم وصلتهم «الكلمة» عن طريق وسطاء.
ولموازنة المقال حتى يقال إنني أتعمد فضح الكبوات العربية، دعوني أحدثكم عن مفاعل فليبسبيرغ النووي في ألمانيا والذي تديره شركة إي إن بي دبليو ENBW.. فقد ضاعت المفاتيح المؤدية إلى الأجهزة الحساسة والخطرة في المفاعل، ولم تبلغ إدارة المفاعل سلطات الأمن بفقد المفاتيح إلا بعد مرور أسبوع على فقدها.. وليس معروفاً حتى الآن من سرق المفاتيح، وليس مستبعداً أن تتهم المانيا حركة حماس أو جعفر عباس السوداني بسرقة المفاتيح فنحن الطوفة الهبيطة كما يقول الخليجيون (الحائط القصير).. هم يخطئون ويرتكبون الكبائر ثم يحملوننا المسؤولية.. ربنا على الظالم المفتري.
صحيفة الشرق