في واحدة من ابداعاته سَخر الممثل دريد لحام من المُتذاكين، فاقترح إقامة محطة إذاعة «تَسُب كل القرى المجاورة من أجل توحيد الشعب».
ومن نِعَمِ الله على السودان أن سخر له حميدتي فطبق مقترح دريد لحام.
بدأ حميدتي بسب الكيزان، ثم التفت لقحت فأشبعها سباً، ولما فرغ منهالم ينسَ أن يسب رجال الإدارة الأهلية، ومن بعدهم ألزم «الفلول» منازلهم، وأخيراً هاهو يؤدب الذين يستحقون، وهم «المكنكشين» فصب عليهم سوط عذاب!!! وأوضح أنه ليس لديه مشكلة مع الجيش؛ لأن مشكلته مع الدكتاتور!!!
أعتقد أنه يعني بالمكنكشين مكنكشاً واحداً، وما الجمع الذي ذكره إلاّ من باب أنه أشار للكل وأراد الواحد!!! وهو باب جديد في النحولم يفطَن له سيبويه.
سب حميدتي كل أولئك من أجل توحيد الشعب، ومن أجل الديمقراطية!!
وحميدتي حديث القدوم من الأمارات، فالذي لا ينتطح فيه عنزان ولا يختلف فيه جملان، أن ديمقراطيته التي غذاه بها بن زايد ستكون فتحاً جديداً في الفكر السياسي.. نعم؛ لأنها نمط جديد يسمى الديمقراطية الإبراهيمية النهيانية!!
أمنياتي على العلماء الذين استنسخوا النعجة «دوللي» أن يستنسخوا لنا نسخاً من بن زايد في كل بلد لتعمنا الديمقراطية وليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جورا.
لم ينس حميدتي أن يستشهد بآية من قرآنه الدقلاوي وهي التي تقول: «إنّ العهد كان مسؤولا» في خطابه الأخير، والذي نبّه فيه المكنكش أن الدعم السريع أنشئ بقانون أجازه البرلمان.
والبرلمان الذي أنشأ الدعم السريع هو برلمان الكيزان القابلين للسب في كل وقت.. ولكن ما الحرج في ذلك؟
ليس ثمة حرج، فالديمقراطية الإبراهيمية النهيانية الدراهمية تجيز الشيئ ونقيضه.. فمن إنجازاتها وتجلياتها أن جمعت بين عقيدة الثالوث وعقيدة التوحيد وعقيدة أبناء الله وأحبائه في دين واحد.
وأعجب العجب أن تندهشوا أنتم يا معشر السودانيين!!
لماذا تعجبون؟
وتراكم التجارب السياسية لدى أولاد زايد، أصبحت إرثاً ينهل منه كلا البرهان وحميدتي، ولذا يحجان لعيال زايد كلما أوشك معين الفكر السياسي أن ينضب لديهما، وهو إرث في الفكر والممارسة السياسية متراكم يهديهما أن يضلا السبيل السياسي.
مخطئٌ من ظن أن التاريخ لا يعيد نفسه !!!
لقد أعاد البرهان تاريخ السلطان محمد رشاد، وهو السلطان الصوري الذي نصبه حزب الاتحاد والترقي، وهؤلاء كانوا قحاتة تركيا بعد 1909 الذين أطاحوا بعبد الحميد.
كان محمد رشاد ألعوبة عبثت بها جماعة الاتحاد والترقي، التي كانت جماعة علمانية ألغت كل شيئ إسلامي في تركيا، وكان الماسونيون، برئاسة رئيس محفل سالونيك عمانويل كراصو، يسيطرون عليها.
وتماماً كما فعلت قحت في السودان، نهبت الجماعة ثروات الدولة وكسروا خزائنها وعاثوا في الأرض الفساد، ومحمد رشاد (برهان ذلك الزمان) لا يحرك ساكناً.
جفّت أقلامنا من كثرة تردادها: أن الدولة هي الكيان الوحيد المسموح له باحتكار القوة State is the Only entity which Monopolizes Power.. ولا حياة لمن تنادي!
بذلت لهم نُصحي بِمُنعرَجِ اللِّوى
فلم يَستبينوا النصحَ إلا ضُحى الغَدِ
ذهب البرهان لأبوظبي «واشتكى» حميدتي لابن زايد..
وهذه معلومة..
وقبل أسبوع كان البرهان «يشتكي» لبعض الضباط -كدأبه – من أن حميدتي حشد 30 ألف جندي؛ لأنه يريد معركة بالعاصمة!!! وقال إنه لن يعطيه هذه الفرصة!!
يظن أن هذه عقلانية!!!
ومن قبل كان ضباط الجيش يحتجون له من تزايد تسلح حميدتي وتزايد تجنيده للجنود وجلبه لڤاقنر لتدريب جنوده، والبرهان لا يفعل شيئاً!
في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، عهد البشير، أخذت قوات قرنق تضيق الخناق على جوبا.. وبدلاً من أن يأمر قائد القيادة الجنوبية قواته للخروج لمقاتلة قوات قرنق، أمر بحفر خندق حول حامية جوبا ومقر قيادته.. فما كان من قيادة الجيش في الخرطوم إلاّ أن نقلته من جوبا في نفس اليوم وأرسلت ضابطاً فارساً خرج على المتمردين وصدهم.
عقلية «حفر الخندق حول الحامية» هي عقلية البرهان.
فقد أحاط القيادة العامة بسور إضافي، وزاد عدد الدبابات حوله، وحميدتي خارجها يتمدد ويتسلح، ويظن البرهان أن هذا منتهى العبقرية العسكرية.
عقلية «حفر الخندق حول الحامية» هي عقلية الخائف ومن تهمه حماية نفسه هو، وليذهب كل من عداه إلى الجحيم.
كل الذي يهمه البقاء سالماً في المنصب!
ترى من يبلغ البرهان أن القيادة تعني: «الفعل المؤثر وليس المنصب».
Leadership is Action Not Position
وبعد أربع سنوات استبان أنه لن يجدي الحديث والنصح مع من يرتعد فرقاً من حميدتي، وكل شيئ يتداعى أمام ناظريه. وهاهو الشعب يبكي:
كَانَ صَرْحاً مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
اِسْقِني واشْرَبْ عَلَى أَطْلاَلِهِ
وارْوِ عَنِّي طَالَمَا الدَّمْعُ رَوَى
والسودان في هاوية رماه فيها البرهان وحميدتي وشراذم قحت الفاشلون . لقد ضربت الفوضى أطنابها فيه ، وليس له من ملاذ ولا منقذ إلّا الجيش .
دكتور ياسر أبّشر