هل موضوع الكتابة هو بضاعة الكاتب التي يختارها ويحسنها ثم يعرضها على جمهور مستهلكي الموضوعات فيستحسنوها إذا كانت مثيرة وجريئة ويبغضونها إذا كانت دون مستوى الإثارة؟
لكي تكون الكتابة مثيرة لا بد أن نتيجتها ستكون لصالح طرف ولا بد من أن الكاتب سيخسر الطرف المتضرر. سيصبح الكاتب في نظر الطرف المستفيد هو الأبلغ والأزهى والأفصح والمبين فيما يتقاصر في نظر الطرف الآخر.
ستكون النتيجة أنه أعظم كاتب وأتفه كاتب في نفس الوقت وهذا ما يتعارض جذرياً مع الجوهر الذي تنعقد عليه مهمة الكتابة إذ أنها رسالة تنوير ومثاقفة وحوار صافٍ وأسئلة تكتسب الصفاء من المشروعية التي تستوجب الاسئلة.
الحالة التي ترفع كاتباً وتصعد به لمرتبة الكمال التاريخي وتقعيه إلى مواخير الأسفل من الجهة المقابلة هي حالة احتقان سياسي واجتماعي وثقافي حاد ظلت تتنامى منذ أمد طويل وبلغت أقصى تجليها في راهننا الذي نعايشه اليوم هي حالة نفي وكراهية وغبينة وهي حالة ليست كافية ومؤهلة للإطاحة بصرح النظام المولد للبؤس لأنها لا تتحول آلياً إلى حركة صاعدة.
نحتاج إلى ما يسمى بـ(القطع التاريخي) لتجاوز هذه الحالة التي سيطرت على العقل السياسي واستلبت التعبير الاجتماعي وأجلت اكتمال الهوية الثقافية وهذه أركان أساسية للنهضة والصعود بأشكاله كافة.
محتوى مدفوع
أهرامات السودان تطيح بمصر.. فكيف دمر صائد إيطالي رؤوسها؟
الكاتب هو ابن الحرية وربيبها الأول وتبدأ حريته باختياره لموضوع كتابته في وقت تجاوزت فيه الكتابة شظايا المفاهيم والأدبيات النضالية التي عرفت في الحقب الماضية رواجاً وازدهاراً فرضتهما ظروف المرحلة التي لم تدم طويلاً إذ سرعان ما حلت كتابة أخرى بفعل النضوج والاختمار يكتنفها القلق والتأمل والمكاشفة الداخلية والذهاب نحو اسئلة مغايرة دون أن يشكل ذلك قطيعة مع ضراوة الواقع الصعب.
هنالك فرق كبير بين ناتج الكتابة كحالة وعي وبين منتوجها كحالة وهم . حالة الوعي تتطلب تجاوز الكاتب لأمنيات الأنا وقراءة الواقع وفق معطياته وتحليل المعطيات للوصول إلى لحظة مستقبلية. أما الحالة الثانية فلا تتطلب إلا السبحة الحرة في موج النرجسية الذي غالباً ما يذهب جفاءً وهذا ما يفسر أن بعض الكتاب يظنون أن كتاباتهم تسببت في أزمة تتصل بالأمن القومي أو أنها في الطريق لإشعال فتيلة انتفاضة ألهمتها الكتابة وطرحت شعاراتها أمنيات الكاتب.
صحيفة الانتباهة