أسمعني أحدُ الإخوة الكرام تسجيلاً صوتيًا بصوت الأستاذ خضر عطا المنان، وهو يتحدث عما قال إنهما “حدثان هزاه جدا”. فالحدثُ الأول أحزنه جدًا، والثاني أحاره جدا. وبدأ حديثه بالثاني الذي قال إنه أحاره جدا، فتحدث عما سماه (الوصاية المصرية) متحدثًا عن مؤتمر القاهرة الذي عُقد في الآونة الأخيرة على هامش الأزمة السودانية المتطاولة. ثم رجع إلى الحدث الأول الذي قال إنه أحزنه جدًا، فقال إنه توقفُ بث إذاعة القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، التي قال إنه زار مقرها في لندن، وقال حرفيا: “برفقة أحد أعلامها الأفذاذ من السودانيين وهو الأستاذ أيوب صديق، والذي للأسف كشف مؤخرًا عن حقيقته وانتمائه الإسلاموي البغيض.”
هذا ما قاله الأستاذ خضر عطا المنان، الذي احفظ له أنه قابلني مرة بحفاوة في أبو ظبي، في سني التسعينيات، أثناء زيارة لي إلى هناك، إبَّانَ عملي في الإذاعة البريطانية. فقد زرتُ عن طريقه الإذاعة والتلفزيون في أبو ظبي، وإنني لشاكرٌ له تلك اللحظات، كما إنني شاكرٌ له وصفه لي وهو يتحدث عن الإذاعة البريطانية، بأنني ” أحدُ أعلامها الأفذاذ من السودانيين” بيد أنه قال متأسفًا أنه اكتشف (حقيقتي وانتمائي الإسلاميوي البغيض).
والأستاذ خضر عطا المنان وصف نفسه في تسجيله الصوتي بأنه (إعلاميٌ حرٌ مستقل) ورغم ادعائه الحريةَ والاستقلال، فإنه يستنكر عليَّ أن يكون لي انتماءٌ مغايرٌ لانتمائه، ليس ذلك فحسب، بل وجد انتمائي بغيضاً لديه، لأنه وجده انتماء إسلاميا. وانتمائي الإسلامي لم يكن جديدًا وكشفتُ عنه أخيرًا كما ظنه هو، بل كنتُ إسلاميا منذ أن كنت طالبا، وكانت كتاباتي الصحفية تدل عليه منذ تقاعدي الاختياري المبكر من خدمة الإذاعة البريطانية في العام 2001.
وأذكر هنا للسيد خضر خطا المنان، إنني ربما أظهرتُ انتمائي الإسلامي بصورة أكثر وضوحًا، ذلك للدفاع عن عقيدتي الإسلامية التي هي عقيدة 98 في المئة من أهل السودان، والتي اجتهد ساسةُ ثورة (ديسمبر المجيدة) في إهانتها منذ استيلائهم على الثورة. فقد كانت الأسبقية الأولى لديهم، هي شنُ حربٍ على الإسلام في السودان. وقد استهلوها بمحاربة القرآن نفسه بعدة صور: وأسوق للأستاذ خضر عطا المنان أمثلة لتلك الحرب على القرآن وهي: إغلاقُ أبرز مراكز تحفيظه، وتحويلُها إلى صالات للرياضة والرقص والغناء، وتشريدُ شيوخ تدريسه وتشريدُ الدارسين له، وقفلُ الخلاوي في شرق النيل، وقتلُ أحد طلابها وهو ابنُ شيخ تلك الخلوة، وقولُ القتلة بعد تلك الجريمة جهارًا ( ما دايرين قرآن هناك) ولا بد أنهم فعلوا ذلك بأوامر من جهة من جهات (الثورة المجيدة). كما كان من عملهم في محاربة القرآن رميُ طلاب خلاوي في أم درمان بالحجارة، ووقفُ بثِ إذاعة القرآن التي كانت تُذيع لسنوات متواصلة دون انقطاع، وتحويلُ طابق كاملٍ تابع لجمعية القرآن في عمارة الوقف القرآني في وسط الخرطوم، ليكون مقرًا للمثليين، أي الشاذين جنسيًا من النوعين، الذين كان ظهورُهم من أبرز معالم (الثورة المجيدة)، إذ إنهم لم يظهروا قبلها في السودان. ولم يكن ظهورهم ظهورًا على استحياء بل كان في موكب علني سموه (موكبَ الفخر)، رفعوا فيه رايتهم بألوانها المعلومة عالميًا وهم يهتفون (حقنا كامل غير منقوص). وفي ذلك الجو الذي يعمه الكفر والفجور، عين رئيسُ الوزراء عبد الله حمدوك مستشارة لرعاية شؤون النوع أي لرعاية شؤون هؤلاء الشاذين جنسيا، مُلحقةً بمكتبه وهي عائشة محمد حمد. وفي مجال محاربة القرآن، يا خضر عطا المنان، أصدرت وزارة الإعلام التي كانت تحت إمرة صديقك رشيد سعيد، أمرًا لمقدمةَ حفلِ اجتماع (اتحاد إذاعات الدول العربية) بألا تَفتتح الحفل بالبسملة أو بالقرآن الكريم. إلى تلك الدرجة بلغ كفرُ ساسة (ثورة ديسمبر المجيدة) بالقرآنِ وبغضُهم له.
ولكن لله الحمد أن بلغنا آنذاك، أن الفريق البرهان أعاد بأوامره بثَ إذاعة القرآن، ومراكزَ تحفيظه بشيوخها ودارسيها، وأغلق استشاريةَ النوع في مكتب رئيس الوزراء، واغلق مقرَ المثليين في عمارة الوقف القرآني، وأعاد المقر لجمعية القرآن، وأعاد إليها مطبعتَها التي كانت قد استلمتها تلك السودانيةُ الأمريكيةُ، المُعينةُ من جهات دولية، لرعاية شؤون النوع لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ولم يسعنا آنذاك إلا أن نقول جزى الله الفريق البرهانَ على ذلك خيرا. أما محاربةُ الإسلام في صورة الذين يجهرون بممارسة عباداتهم أيام حكم حمدوك، الذي قرأتُ لك ثناءً عاطرًا عليه، فأمرٌ أذكر لك منه مثالاً واحدًا فقط، ذلك باحتفاءِ جماعةٍ في الخرطوم بمناسبةٍ إسلامية، صِيامًا وإفطارًا جماعيًا، على ما كانوا عليه من سُنةٍ حسنةٍ من قبل الثورة، فإذا بهم وبعد أن(حَللوا) صيامهم ووقفوا لأداء صلاة المغرب وكبروا، تنهال عليهم (قنابل الثورة) الغازية، حيث فرقت صفوف صلاتهم وخلطت إفطارهم بالغازات، وقد حدث الشيءُ نفسه، وبالصورة نفسها لنساءٍ صائماتٍ، فَفُرقت صفوفُهُن وهُنَ في صلاة المغرب بالقنابل الغازية الثورية). ولم نسمع أنك احتججتَ على ذلك وأنت (إعلاميٌ حرٌ مستقل). وأخيًرا أعود لوصف السيد خضر عطا المنان انتمائي الإسلامي بالــ (الإسلاميوي البغيض) فأقول له؛ إنه لمن المعروف أن (الإسلاموية) اسمٌ جاء به أعداءُ الإسلام، مرادفًا لاسم (الإسلام السياسي) وليس هناك إسلام غير سياسي أصلا. وكما يقول أحدُ علماء الأفغان، في رده على صحفي أمريكي، في لغة عربية ناصعةٍ ليست بها لُكنةٌ من عُجمة قال له:( الإسلام حركةُ تغييرِ سياسيةِ في الأصل، والقرآنُ ليس كالإنجيل، القرآنُ به خمسمئةِ آية حول السياسة والسلطة التشريعية والحكم والقضاء، بآياته المختلفة. فهذا لا تجده في الإنجيل) انتهى كلام ذلك العالم. ويدل على ذلك قول الله تعالى:( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام 162 .هذا هو مدار حياة المسلم. ولما لم يكن هناك إسلامٌ غيرُ سياسي، فوصف خضر عطا المنان انتمائي بـ(الإسلاميوي البغيض) إذ يعود البغضُ هنا إلى حاكميةِ الإسلام، فهو يعود إلى الإسلام نفسه مصدر هذه الحاكمية.
والذين جاءوا باسم (الإسلاموية) جاءوا به مندوحةً يجدون بها متسعًا لإساءة وصف الإسلام نفسه أنى شاءوا، كما وصف خضر عطا المنان انتمائي بـ(البغيض).إنه لمن المؤسف حقا أن يُريَ السيد خصر عطا المنان من نفسه ظهيرًا لأولئك العلمانيين، الذين ما فتئوا يُفرغون وسعهم في عدائهم للإسلام. فهو عداءٌ يتزعمه عندنا الآن في السودان عابدو صنمِ (الاتفاق الإطاري) بغية إقامة دولة علمانية في السودان، مُعينين به أممَ الكفرِ على بلدهم، متناسين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحق: (منْ أعانَ ظالمًا ليدحضَ بباطلهِ حقًّا، فقدْ برئتْ منهُ ذمةُ اللهِ ورسولِهِ). وفي الحديث الآخر المرفوع: (من أعان ظالمًا سلطه اللهُ عليه).
أيوب صديق
صحيفة الإنتباهة