ناصر بابكر يكتب : هجوم المريخ

– في العام “2009” الذي بلغ المريخ خلاله مرحلة “مجموعات دوري أبطال أفريقيا” للمرة الأولى.. استقبلت شباك المريخ (عشرة أهداف وسجل الفريق خمسة أهداف وكان صافي أهدافه “سالب خمسة”)، ووقتها ضمت المجموعة أندية “زيسكو الزامبي وكانو بيلارز النيجيري والهلال”.

– في العام “2017” الذي شهد الظهور الثالث للمريخ في “مجموعات دوري أبطال أفريقيا” (استقبل المريخ ستة أهداف وسجل مثلها خلال خمس مباريات بعد أن أُلغيت المباراة السادسة في تونس أمام النجم الساحلي بسبب التجميد وكان صافي أهدافه “صفر”)، ووقتها ضمّت المجموعة أندية “النجم الساحلي والهلال وفيروفيارو الموزمبيقي”.

– في العام “2021”، الذي شهد الوصول الرابع للمريخ لمجموعات “دوري أبطال أفريقيا” (استقبل المريخ 15 هدفاً وسجّل أربعة أهداف وكان صافي أهدافه “سالب 11”).. وضمّت المجموعة أندية “الأهلي المصري وسيمبا التنزاني وفيتا كلوب الكونغولي”.

– في العام “2022” وفي الوصول الخامس للمريخ لمجموعات دوري الأبطال (استقبل المريخ 11 هدفاً وسجّل خمسة أهداف وكان صافي أهدافه “سالب 6”).. وضمّت المجموعة أندية “الأهلي المصري، صن داونز والهلال”.

– ذاك كان حصاد أربع من خمس مرات بلغ خلالها المريخ مرحلة المجموعات بمسابقة “دوري أبطال أفريقيا” باستثناء نسخة “2015” التي كانت استثنائية في كل شيء، وهو ما دفعني لاستبعادها لصعوبة القياس واستخلاص النتائج وفقاً للاستثناء رغم أن الكل يطمح ويأمل في تكرار التجربة وربما الأفضل، لكن تحقيق تلك الطموحات يحتاج إلى عمل ضخم وأساس للبناء عليه.

– بالعودة لأرقام المشاركات الأربع التي سلّطت عليها الضوء، نجد أن المريخ أنهى ثلاثاً منها بصافي أهداف سالب كبير وهو بالترتيب “سالب 5” وسالب “11” وسالب “6”.. فيما كان صافي الأهداف “صفر” في 2017 بنقصان المباراة السادسة في تونس والتي أُلغيت بداعي التجميد.

– مجموع الأهداف التي استقبلتها شباك المريخ في تلك المباريات كان “42 هدفاً” خلال “23 مباراة” بمُعدّل يقترب كثيراً من هدفين في المباراة “1.8 هدف في اللقاء”، وبالتالي كان المريخ ينهي مرحلة المجموعات بسالب أهداف كبير باستثناء نسخة 2017 التي تساوى فيه عدد أهداف المريخ بعدد الأهداف التي سجّلها.. مع مُلاحظة أنّ المجموعات التي تواجد فيها المريخ في تلك السنوات كان أقل قُوةً من مجموعة النسخة الحالية للفريق باستثناء تواجد الفريق في مجموعة “الأهلي المصري وصن داونز” العام الماضي لكن بمعية فريق سوداني وهو الهلال.

– البعض أو حتى كثيرين يُمكن أن يسألوا عن علاقة الحديث عن تلك الأرقام بالتركيز على عدد الأهداف التي هزّت شباك الفريق، رغم أنّ عنوان المقال يحمل اسم “هجوم المريخ” والتناول بهذه الشّاكلة لم يكن على سبيل الخطأ، بل كان مقصوداً للحديث عن أهمية وقيمة وضرورة “منظومة اللعب الجماعية” خصوصاً في كرة القدم الحديثة.

– إذ لا يبدو منطقيًا في كرة القدم خلال السنوات الأخيرة، الحديث عن أرقام دفاعية مميزة ما لم يكن مقروناً بمنظومة لعب جماعية أساس نجاحها هو خط الهجوم أو العناصر الهجومية بشكلٍ عامٍ التي تُعتبر خط الدفاع الأول، وأساس نجاح أو فشل أيِّ تنظيم دفاعي بغض النظر عن الفكرة الدفاعية التي يُطبِّقها المدرب سواء “ضغط عالٍ.. متوسط أو متأخر”.. والعناصر الهجومية هي التي تحدد حصول أو حرمان المنافس من المساحات في ثلث فريقها الأخير، لأنّ المساحة عادةً تصنع وتتوفّر عندما يتم كسر خطوط الدفاع الأول ومن ثَمّ الثاني وحينها فقط يحصل المنافس على فرصة تشكيل الخطورة في الثلث الأخير، وبالتالي أيضاً، فإنّ درجة التزام العناصر الهجومية بالواجب الدفاعي ومُشاركتها في الضغط وإغلاق المساحات هي التي تحدد من سهولة أو صعوبة مهمة “عناصر خط الدفاع الأخير” في حرمان المنافس من التسجيل.

– لذا، وقبل الحديث السلبي عن مُهاجمي المريخ “باولو سيرجيو والجزولي نوح أو رمضان عجب” فإن الواجب أولاً أن نرفع لهم القبعات على الدور الذي يلعبونه في ظهور المريخ بهذا الشكل “المتماسك” وعلى “الصلابة” ونجاح “التنظيم الدفاعي” وظهور الفريق بشكل جيد من “الناحية التكتيكية”.

– وإضافة إلى ما سبق، لا يمكن إغفال أهمية التنظيم الدفاعي في تحقيق النتائج الجيدة.. فالمحافظة على نظافة الشباك هي نصف الطريق أو أكثر للفوز، وهي كل الطريق لتفادي الخسارة، لذا فإنّ أيِّ مدرب ينشد نجاحاً يبدأ عمله في الأشهر الأولى بمُحاولة رفع كفاءة تنظيم الفريق الدفاعي وهو عمل يبدأ من خط الهجوم ويتنقل للخلف وصولاً لخط الدفاع وحارس المرمى، ولا يمكن أن يثمر ويؤتى أكله لو لم تتقن العناصر الهجومية هذا الدور.

– قناعتي أن تناول الأمور التحليلية المتعلقة بمنظومة لعب أي فريق في الكرة الحديثة لا ينفع أن يتم “بالقطعة”.. إذ لا يمكن التركيز فقط على “عناصر خط الهجوم” عند الحديث عن تسجيل الفريق لهدف واحد في ثلاث مباريات دون اغفال الشق الآخر من المعادلة وهو “كم مرة اهتزت شباك الفريق”.. وطالما أن الأرقام تثبت أن نقلة كبيرة جدا حدثت على مستوى التنظيم الدفاعي باستقبال “هدف في ثلاث مباريات” بعد أن كان معدل استقبال شباك الفريق للأهداف في المجموعات يقترب من “هدفين في المباراة”، فالواجب هنا أن تكون تحية العناصر الهجومية ومدحها على ما تظهره من التزام وما تؤديه من دور في سبيل تحقيق الفريق لنتائج جيدة مقدماً على تحميلها وزر قلة الأهداف دون أن لا ننسى أن المهاجم وكل ما بذل جهداً كبيرا في الجوانب الدفاعية، كلما نقص تركيزه أمام المرمى وكان أقرب لإهدار الفرص من تسجيلها، لأن العامل الأهم في تحويل الفرص إلى أهداف هو العامل الذهني الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبدني، لذا نجد أن كثيرا من المهاجمين وليس على مستوى المريخ أو السودان فحسب، وإنما القارة يسجلون في المباريات المحلية عدد أهداف أكثر بأضعاف مما يفعلون قارياً وهو أمرٌ مرده سببان، الأول قلة الأدوار الدفاعية التي يقوم بها المهاجمون محلياً على العكس من المباريات القارية التي تتطلّب أقصى درجات التزام بالدور الدفاعي، بل هو أساس الوصول لنتائج جيدة، إلى جانب أنّ الضغط الذهني والنفسي يكون أكبر قارياً مما هو عليه محلياً وهو سببٌ إضافي لإضاعة الفرص ويكفي مقارنة عدد أهداف “الجزولي نوح” محلياً مقارنة بالقارية وذات الأمر ينطبق على “محمد عبد الرحمن” في الهلال وهما مجرد نماذج فقط يوجد العشرات مثلها في جل الأندية التي تشارك قارياً.

– وبما أن المريخ يواجه أندية في تصنيف أعلى منه، وجاهزية أكبر منه، فإن عبء الالتزام بالواجب الدفاعي يتضاعف عند العناصر الهجومية، دون أن ننسى كما أشرنا أن عمل الأجهزة الفنية في الأشهر الأولى يكون مخصصاً للتنظيم الدفاعي، قبل أن ينتقل بمرور الوقت إلى التنظيم الهجومي.. كما أن تسجيل الأهداف في الكرة الحديثة التي تطغى فيها الجماعية “الأصل” على الفرديات “الاستثناء” بمراحل بعيدة، لا يمكن حصره على “المهاجمين” دوناً عن بقية عناصر الفريق، لأن المدافع يمكن أن يكون له دورٌ في التسجيل سواء عند التقدم للكرات الثابتة أو الاختراق والتسديد للأظهرة، وكذا الحال كل لاعبي الوسط والأجنحة، وهو تكامل الأدوار المنطقي والطبيعي في أي منظومة لعب، ومؤكد أن المريخ مع مرور الوقت وتوالي المباريات وارتفاع الفورمة التنافسية وزيادة التناغم والتجانس سيبلغ هذه المرحلة التي تتوقع فيها الهدف من أي لاعب دوناً عن انتظار المهاجمين فقط للتسجيل.

– ما ذكرته هنا، لا يعني اغفال أهمية إخضاع المهاجمين بشكل مستمر لتدريبات خاصة ومكثفة في عملية الإنهاء وهي تدريبات تستجلب لها أفضل أندية العالم لأفضل لاعبي العالم مدربين متخصصين عملهم فقط رفع جودة إنهاء المهاجمين، وهو دورٌ يمكن أن يلعبه “عبد المجيد جعفر” مع المهاجمين خصوصاً العناصر الشابة مثل “الجزولي نوح” والبقية.

– وحتى ذلك الوقت، فالتحية والتقدير وكامل الدعم لمهاجمي المريخ على الإسهام في الأرقام الدفاعية المميزة، في عصر كرة “الكتلة المترابطة” و”الذكاء الجماعي” التي يدافع فيها المهاجم ويهاجم فيها المدافع كشرط أساسي لامتلاك فريق قوي قادر على تحقيق نتائج إيجابية.

– كل منظومة الفريق تعمل بكفاءة.. الجميع يستحق الثناء.. الجميع يتحمل وجود نواقص.. ونحن نحتاج لإدراك أن علاج النواقص وتطوير الفريق يرتبط بالوقت.. وما تحقق مؤخراً أشبه بالإعجاز مقارنة بالظروف المحيطة التي دخل بها المريخ مرحلة المجموعات.

صحيفة الصيحة

Exit mobile version