محمد محمد خير يكتب: التفسيرات السياسية لعمود سهير

حين أضاف أبو الطيب المتنبي ذلك البيت الشبعان لميميَّته الخالدة..

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الحلق جرَّاها ويختصم

أظنه كان يتنبأ بأن امرأة اسمها سهير عبد الرحيم ستكتب ذات يوم عموداً يختلف في تفسيره فقهاء القانون والأتقياء والصعاليك وأهل الحل والعقد ومجالس الشورى والناشطون والأحزاب وبعض التكتلات الإقليمية.

ذاع عمود سهير ذيوعاً بلا منتهى، فأصبح مصطفى البنغالي أشد بأساً من مصطفى سعيد بطل رواية موسم الهجرة للشمال.

ضجت الأسافير واشتعل الواتساب وأصبح للفيسبوك رنين، ظللنا لأسبوع كامل نقرأ تحليلات وإضافات وإضاءات وإساءات واتهامات ومسادير وأبيات شعر، وفحيح مقالات نسوية من صويحبات سهير، كل هذه التعبئة الإسفيرية بسبب عمود ذكرت فيه أن عامل نظافة بنغالي اعتذر بطريقة عملية عندما اندلق صابون سائل فغسل الحذاء و(شطف قدميها).

أنا على قناعة تامة بأن البراءة وحدها هي التي دفعت سهير لنقل هذا المشهد بكل تفاصيله، ولم تكن تعني أي شيء ولم يطف بذهنها أن هذا السرد ستعقبه ثورة إسفيرية ظافرة تتهم في بعض مداخلاتها الكاتبة بأنها مدفوعة من الحكومة لإلهاء الناس ولجم قطار الثورة وتعطيل ميكانيزماتها.

أبديت اهتماماً خاصاً بهذا التفسير السياسي الخلاق لمقال سهير عبر تلك المساهمات الثرة من مناضلي الكيبورد الذين أجمعوا على أن الحكومة هي التي دفعت بسهير لكتابة لهذا العمود كي تخرج من أزماتها وتشغل الناس بعمود سهير حتى تمر القرارات الاقتصادية بسلام وتمر بلا كابح.

شاقني حقيقةً هذا التحليل السياسي العبق لفرادته ومعاصرته وانبثاقه من مجرى الأحداث الماثلة، فصرت أفكر في الخطوات التي اتخذتها الحكومة للاتفاق مع سهير حتى تكتب عموداً يلهي الناس ويجعلهم خانعين غير آبهين بالزيادات، وبالتالي غير مستعدين لإشعال فتيل الثورة.

تصورت أن الحكومة قامت أولاً بمشاورة حلفائها من الأحزاب المشاركة، فاستشارت الحزب الاتحادي الأصل وعقدت جلسات مطولة مع الدكتور أحمد بلال باعتباره الناطق الرسمي باسم الحكومة، ثم قامت بتنوير لأنصار السنة المحمدية واجتمعت مع حزبي التحرير والعدالة القومي وغير القومي كل واحد على حدة، كما عقدت في ساعة متأخرة من الليل جلسة تشاور مع دانيال كودي وتابيتا بطرس لإطلاعهما على نية استكتاب سهير بغرض تشويش الوعي وتغبيش الثورة، واكتفى الحزب الحاكم بإبلاغ هيئة شورى الحركة الإسلامية دون خوض في التفاصيل، فيما استمرت الاجتماعات السرية المغلقة مع أحزاب الأمة العديدة المشاركة في الحكومة، واستهدت تلك الاجتماعات بآراء الوزير حسن إسماعيل على خلفية تجاربه النضرة في تدبيج المقالات وسلامة حسه في التنبؤ بنتائجها وتأثيرها المباشر في صعود الثورات أو هبوطها.

وبالطبع لم تهمل الحكومة رأي هيئة الأحزاب المشاركة في الحكومة، فاستمعت أيضاً لعبود جابر وبعض الأكاديميين المتخصصين في قراءة كف الكتابة المؤثرة في مشاعر وتوجهات الجماهير، وبما أن المرشحة لهذا الدور امرأة فلا بد من مشورة (أخوات نسيبة) لعراقتهن وطبيعتهن الجهادية.

(2)

رحل رجل الاشتباكات الفلسفية

عن عمر يناهز الـ (83) عاماً، رحل يوم أمس الأول رجل الاشتباك الديني والفكري الفيلسوف الماركسي صادق جلال العظم أستاذ الفلسفة الفخري بجامعة دمشق، مخلفاً إرثاً مثيراً للجدل أهمه كتابه (نقد الفكر الديني)، وله مؤلفات أخرى (ذهنية ما بعد التحريم) و (الاستشراق معكوساً) و (دفاعاً عن المادية التاريخية)، وله مقالات ومحاضرات تم تجميعها بعنوان (الإسلام التركي طريق للإصلاح الديني والتغيير).

كل هذه المؤلفات لم يبهرني منها سوى كتابه (في الحب والحب العذري) الذي قدم فيه رؤية جديدة للعواطف الإنسانية باتخاذ نماذجها في الشعر أدلةً.

ذهب العظم في ذلك الكتاب إلى أن الشعراء العذريين تقصدوا بملء إرادتهم أن ينتهوا إلى ما انتهوا إليه، لأنهم عرفوا أن حرمانهم ممن يحبون هو السبيل الوحيد للوصول إلى مجد الشعر والتربع على سدته، فكان لا بد من أن يذوقوا مرارة الحرمان ولوعته كي تتصفى أشعارهم فوق نار المكابدة وحرائقها المستعرة، ويستدل العظم على ذلك بقصة قيس بن زريح الذي طلق لبنى بعد زواجه منها وحصوله عليها لا استجابة لرغبة الأهل كما يشاع، بل لنداء الشعر العميق الذي يحتاج أحياناً إلى التضحية بالحياة نفسها من أجل الكتابة. لذلك لم يكن لقيس بن الملوح أن يصيب ما أصابه لو كانت ليلى العامرية زوجته لا حبيبته المستعصية على التحقق، وكذلك الأمر مع جميل وكثير عزة وعروة ومن يماثلهم من عشاق العرب الكبار.

(3)

رسالة

الأستاذ محمد تحية وسلاماً..

طالعت قبل هنيهة قولك إن عبد الله البردوني وُلِدَ أعمى، والحق أن الشاعر الضخم ولد مبصراً، ولحقه العمى في طفولته لداء أصابه، كما يقول، ولم يجد علاجاً على عهد أئمة اليمن الغابر.

والرجل إلى جانب موهبته الشعرية ناثر كبير وله مجموعة ضخمة من المقالات كان قد درج على كتابتها في صحيفة (26سبتمبر) وغيرها جمعت في عدد من الكتب هي: (قضايا يمنية، اليمن الجمهوري، الثقافة والثورة في اليمن، رحلة في الشعر اليمني)، وتعد مطالعتها متعة لدي، وربما كانت له أخرى، ولكن هذا ما اطلعت عليه إضافة إلى دواوينه العديدة.

ولتقديري الخاص لموهبة البردوني كتبت هذا التصحيح، وآمل أن تتقبله ولك شكرى مثنى مثنى.

سالم أحمد

شكراً عزيزي سالم، إن أكثر الشراكات إنتاجاً هي الشراكة بين القارئ والكاتب، فمنكم نتعلم ونضيف، ولك تحياتي.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version