النور الجيلاني .. طرزان السودان!!
تجربة غنائية مختلفة:
صحيح أن الأستاذ الفنان النور الجيلاني توقف عن الغناء بسبب حالته المرضية الراهنة.. وتلك هي مقتضيات الحياة بكل تفاصيلها.. ولكن ذلك لا يعني توقف المد النوراني في الوجدان السوداني.. فهو واحد من قلائل من المطربين السودانيين كان عليهم إجماع سكوتي في المحبة والتقدير عند شعب لا يعرف المجاملة مطلقاً فيما يخص وجدانه الجمعي.. فهو قدم تجربة غنائية مختلفة عن حال السائد.. ومنذ ظهوره في العام 1977 أكد النور الجيلاني بأنه فنان ذو طعم مغاير لا يشابه الآخرين في شئ.. يتمتع بقدرات تطريبية عالية وموهبة رفيعة في وضع الألحان الراقصة ذات الجاذبية الساحرة.. ورغم شهرته وشعبيته الواسعة، ولكن هناك غياب لسيرته الذاتية التي توقف عندها الباحث والمؤرخ عثمان الجزولي.
من روّاد الفن في السودان:
النور الجيلاني مطرب سوداني شهير صاحب لونية غنائية فريدة تجمع بين الغناء الشعبي التقليدي وفن الطرب الحديث عبر موضوعات متعددة الأشكال والمضامين. ويعتبر من روّاد الفن في السودان ومن الأصوات المميزة التي لن تتكرر ومن أجمل أغانيه الذكرى المنسية / العصفور / البياح / كدراوية / فيفيان / بعد الصبر / سواح. وقد تغنى للجنوب بأغانٍ كثيرة وكان يحب الطبيعة والمناظر الخلابة ومن أكثر أغانيه كانت عن النيل والطيور.
سيرة ذاتية:
ولد النور الجيلاني عمر محمد نور، وهذا اسمه بالكامل، في قرية أبو حليمة ضواحي مدينة الخرطوم بحري بالسودان عام 1944م. درس المرحلة الأولية والمتوسطة من تعليمه في كل من مدرسة شمبات الأولية الغربية بالخرطوم بحري ومدرسة الأقباط الوسطى على التوالي، حيث برزت مواهبه الغنائية فيها وبرع في النشاط الفني المدرسي ليغني أغنيات الحقيبة. ويلقب النور الجيلاني بلقب «طرزان»، وهو متزوج وله ابن واحد هو أحمد.
تأثره الفني:
تأثر النور الجيلاني في أعماله الفنية بالمطربين السودانيين خضر بشير وعثمان الشفيع وسيد خليفة والعاقب محمد الحسن، وبدأ مشواره الفني الغنائي في عام 1968م عبر مجموعة طرب في الحي الذي كان يقطنه وشكلت العمود الفقري لفرقة «نادي حي الكدرو»، بالخرطوم بحري، وشهدت بداية سبعينات القرن الماضي انطلاقة الجيلاني لينهض كفنان مطرب متكامل وشهد مهرجان الناشئين للأغنية الشعبية بالسودان في عام 1970م، أول ظهور حقيقي له عندما فاز بالجائزة الأولى فيه من خلال تقديم أغنيته «مادلينا» للشاعر محمد سعد دياب، وفي عام 1977 سطع نجمه كفنان مطرب وهو في سن الثانية والعشرين.
تصنيف فنه الغنائي:
صعب على النقاد والصحفيين السودانيين تصنيف فنه الغنائي من حيث الموسيقى أو الأداء، فهو من ناحية يستعمل طريقة تجعل غناءه يقترب من الطرب الغنائي الشعبي، ولكنه يستعمل أحياناً ميلودية تجعل الغناء أقرب إلى موسيقى الجاز. وفي ملامحه اللحنية العامة يكون أقرب إلى الغناء الحديث ويعتمد بشكل أساسي على آلات المندولين والأورغن، والجيتار والبوق، بجانب آلات إيقاعية دربكة وكونغا، فضلًا عن كورس يتكون أعضاؤه من ثلاثة أو أربعة أفراد، حيث يتداخل صوت الفنان مع أصواتهم أحياناً ثم يختفي عنهم أو يغني منفرداً في غياب أصواتهم.
البساطة والقوة والتماسك:
وأحياناً أخرى يهمهم بآهات عند وصلة الكورس أو يصدر غمغمات نواح حزينة ليكسب الأداء جمالية متفردة ويمزج ذلك كله مع أنغام الآلة الموسيقية وسرعة الإيقاع ومجاراة الصوت لها. وتجمع تجربته الغنائية هذه بين البساطة والقوة والتماسك. وهو بذلك يمكن أن يقال عنه بأنه صاحب لونية غنائية تجمع بين طريقة الغناء الشعبي القديم وألوان الطرب الحديث دون الخروج على أساسيات موسيقى الحقيبة السودانية ذات السلم الخماسي. ويقوم الجيلاني بتلحين معظم أغانيه بنفسه.. أدخل النور الجيلاني في الموسيقى السودانية الإيقاعات الصاخبة السريعة وغير المطروقة في منطقة الوسط بالسودان وبذلك نحا إلى اختيار الإيقاعات الجنوبية الراقصة مثل إيقاع البايو، كما أضاف عنصر الحداثة إلى الأغنية الشعبية.
تنوع الموضوعات الغنائية:
تتنوع موضوعات أغنيات الجيلاني وتتميز بنوعيتها من حيث الشكل والمضمون. فهي من حيث المضمون تعالج قضايا مختلفة وتخاطب فئات بعينها اجتماعية كانت أو فئات عمرية كالأطفال، ولعل ما يجمع ذلك هو أغنية «خواطر فيل» للشاعر حسن بارا، التي يشارك في أدائها الأطفال وتتحدث بلسان فيل صغير وقع في الأسر وهي في الوقت نفسه تخاطب مشكلة حماية الحيوانات وحقوقها وحريتها وتدعو نصوص الأغنية إلى الرفق بالفيل الحزين الذي تم اجتثاثه من بيئته وأسره في قفص من أجل تسلية الإنسان. أما من حيث الشكل فتتميز نصوص أغنياته بجمالية أسلوبها الغني بالمعاني والبيان والتورية وأبرز ما يمثل ذلك أغنية «كدراوية» التي مدح فيها الشاعر جمال محبوبته كدراوية «بنت حي الكدرو» بالخرطوم بحري التي نزل القمر من السماء إلى الأرض مبهورا بجمالها يسأل عن اسمها وهويتها ويحوم فراش حوله يصفق بجناحيه فرحاً ويصرخ قائلا انها كدراوية.
الغناء للحب والقيم الإنسانية:
كما غنى جيلاني للحب والقيم الإنسانية والرثــــاء والوطن والوحدة بين شماله وجنوبه. وتجسد ذلك في أغنية «يا مسافر جوبا» التي تحكي شجون السودانيين الشماليين وهم في طريقهم إلى جوبا عاصمة جنوب السودان وأغنية «فيفيان» التي تعبر عن حال فتاة من جنوب السودان تقيم في عاصمة الشمال الخرطوم. وقد أعطت هذه الأغنية بُعداً اجتماعياً وسياسياً كبيراً لكونها منحت المرأة في جنوب السودان مكانة ضمن عاطفة الشعر الغنائي السوداني.
صحيفة الصيحة