باعتذاره عن “انقلاب 25” اكتوبر وإعلان ندمه عليه، يصبح حميدتي بلا أرضية يقف عليها ليخطو أي خطوة للأمام، اللهم إلا أرضية “ثورة ديسمبر” التي يتوهم الرجوع إليها. إعلان الندم عن اجراءات 25 اكتوبر التي أخرجت قحت من السلطة يعني عملياً التسليم بكل ما كان قائماً قبل يوم 25؛ سلطة قحت سلطة شرعية بموجب الثورة، ويجب أن تحكم منفردة دون الآخرين، ولا يوجد شيء اسمه إقصاء، ولا داعي لما يُسمى بتوسيع قاعدة المشاركة والتوافق الوطني؛ باختصار كل المبررات السياسية والأخلاقية لقرارات اكتوبر بما في ذلك ممارسات اللجنة سيئة الذكر، كل هذا لا داعي له. تراجع حميدتي وندمه يلزمه تلقائياً بتقبل عودة قحت إلى السلطة بوضعية ما قبل 25 اكتوبر.
بعبارة أخرى، تراجع الرجل عن 25 اكتوبر بهذا الشكل المخزي والمهين يقلص عليه مساحات التحرك السياسي لأبعد الحدود. فليس أمامه سوى خيار واحد هو المضي ضمن ركاب قحت، وهو خيار بائس للغاية.
لقد سجن الرجل نفسه ضمن إطار ضيق، وخسر بذلك مساحات واسعة للحركة، وخسر أيضاً حتى داخل معسكر الدعم السريع وأتباعه؛ لا يمكنك أن تتقلب بهذه الطريقة ولا تفكر فيما يحدث حتى داخل بيتك الداخلي. فمعروف أن الذين حول حميدتي من عساكر أو حاضنة مدنية (موظفين، مستشارين، موالين، أتباع، ولاء جهوي وقبلي بما في ذلك بعض فلول النظام السابق الذين يشتمهم حميدتي هم جزء من الحاضنة الجهوية له) هؤلاء كلهم بطبيعة الحال ضد قحت، ومع قرارات اكتوبر التي أطاحت بها، ولا يستطيع حميدتي أن يجعلهم يندمون مثله، ولا يستطيع أن يحشرهم بالقوة في إطار ثورة ديسمبر. شخص كل ما حوله ضد قحت وضد ديسمبر نفسها، يقرر فجأة أن يصبح ديسمبرياً بخطاب يُكتب له يُعلن فيه ندمه وتراجعه ، ليس عن “الانقلاب” وإنما عن كل شيء يسوغ له، بما في ذلك انتقاد قحت والمناداة بالتوافق الوطني.
لم يفكر حميدتي في صورته كقائد. كيف تريد أن تقود كل هؤلاء الناس وأنت تظهر بهذا الضعف والهوان. كيف سيثق ضباطك وجنودك بك، وأنت بهذه الهشاشة. لماذا يحاربون معك حروبك القادمة؟ صحيح من يعمل من أجل المال لا عقيدة له ولا مبادئ ولا موقف، ولكن في النهاية كل ذلك لا يلغي أهمية الثقة في القائد.الرجل أثبت بأنه قائد غير موثوق، وهو أيضاً حليف غير موثوق، لا أحد يثق فيه، ومن يتحالف معه يفعل ذلك بشكل تكتيكي ولمصلحة محددة.
بكلمة واحدة، مثلما قال عبدالمنعم الربيع، يبدو أن من كتب خطاب الاعتذار والندم لحميدتي قد أراد أن يحرقه.
حليم عباس