حيدر المكاشفي يكتب: في تذكر الفقيد عيسى جديد!!

لفتت نظري واسترعت انتباهي، الصورة المتداولة بكثافة لفتاة شابة تعمل (حلاقة)، الفتاة ظهرت في الصورة وهي منهمكة في قص وتصفيف شعر أحد الزبائن في المحل الخاص بها، بينما اصطف آخرون في انتظار دورهم..هذه الصورة استدعت الى ذهني العمل الصحفي المميز جدا الذي كان أنجزه فقيد الصحافة عيسى جديد، حول انخراط النساء في ممارسة بعض الأعمال الشاقة وتلك التي احتكرها الرجال مثل الحلاقة وغيرها..وانجز الفقيد العمل بالعمق واللغة السلسة الماتعة التي عرف بها..ونكتفي من هذا العمل المميز احياءا لذكراه بتوطئته المفصحة والمعبرة..يقول عيسى..
(ليس فى الامر عجب إنه ما قد وجب).. قد يكون مدخل أغنية الأستاذ الكابلي عتبة تؤسس لدخول عمل المرأة في المهن الصعبة وامتهانها لوظائف كانت في الوقت القريب حكراً على الرجال لصعوبتها، لكن الآن باب العمل أصبح مفتوحاً على مصراعيه أمام انتشار التعليم والانفتاح الاقتصادي رغم بوادر ركوده، ولكن الشاهد أن المرأة السودانية أخذت مكانها وحيزها في خارطة العمل العام وباتت موجودة في كل التخصصات وبجدارة تعمل مع صنوها الرجل في مجالات عدة، لم تكن تخطر على البال حتى وقت قريب، وخلال السنوات الأخيرة شاهدناها وهي تغزو فضاء بعض المهن التي كانت حكراً على الرجل، فئة تعتبرها إصراراً وتحدٍ واعتداء على حقوق الرجل، وأخرى تعتبرها مجرد فرصة عمل كمثيلاتها يجب استغلالها مهما وصلت ذروة قسوتها.
اعتاد النظر وألف رؤية المرأة وهي تعتلي كرسي القضاء والمحاماة والتمريض والهندسة والتعليم، وأثبتت وجودها كذلك في مجال المهن الحرة على اختلافها والإدارة والسلك الدبلوماسي والسياسي الخ، لكن أن نراها تمتهن بعض المهن المثيرة للجدل أمر قد يكون غامضاً تشوبه الكثير من التحفظات وسط الغبار والأوحال وفي الأماكن الوعرة تحت المطر والشمس الحارقة، وتقف أمام الخطر في ظروف قاسية تنهك قواها وما لها من مؤثرات وما لها من مدى على الأمد الطويل، حملناها أكثر من طاقتها انطلاقاً من الظروف الخشنة إلى المسؤولية الصعبة والتي قد لا يتحملها حتى الرجال الأشداء الأقوياء. ولا غرو فإن المرأة السودانية اليوم تبدع بنفس مستوى إبداع الرجل وربما أكثر، والرجل لم يبدع لأنه بيولوجيا ذكر، بل لأن البيئة التي يعيش فيها خلقت لجعله مبدعاً، بينما تسهم البيئة في بعض الأحايين إلى تحويل المرأة إلى امرأة متعلمة لكنها في آخر المطاف ستكون ربة بيت بعيداً عن المغامرات.
أجل لا يوجد أي قانون يقف ضد عمل المرأة وهذا أمر جميل ورائع، لكن أن يوافق لها القادة والمسؤولون وولاة الأمور والمجتمع ككل بالمهن الشاقة، بل نجد الأغلبية راضية عن هذه المهن ما دامت مطمئنة على الراتب والمردود والدخل والمساهمة في اقتصاد البلد وهكذا يبدو المشهد في شوارع الخرطوم، حيث بات من المألوف أن ترى مهندسات في الإنشاءات الشاهقة أو في الطرق والجسور وسط حرارة الشمس والأتربة يتحدين الصعاب ورهق العمل وعبارة حكراً على الرجال!.. اللهم يا أكرم من سئل و يا أوسع من جاد بالعطايا اغفر لعيسى وارحمه..

صحيفة الجريدة

Exit mobile version