هشام عباس: الإعلام والإشاعة

* يعيش العالم زخماً من الأخبار والمعلومات ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي، أو ما يسمى بالإعلام الجديد، في سرعة انتشارها حتى أصبحت فضاءاً خاصا لمناقشة القضايا العامة، ومجالاً حيوياً للتواصل بين الأفراد. وتراجع بالتالي دور الأماكن التقليدية كالمقاهي والأندية والأسواق رغم دورها الواضح.

* لكن الجديد في شبكات التواصل الاجتماعي أن المستخدمين في فضاء افتراضي متباين عمرياً وثقافياً واجتماعياً، وحتى في العمق التحليلي لمناقشة الأمور، الأمر الذي يشكل عدم تحقيق درجة عالية من الوعي والوضوح والشفافية، الناتج عن ضعف المعرفة في بعض الأحيان بمكونات الخبر الأساسية.

* لقد أدى ذلك إلى فراغ اتصالي أسهم في نقص المعلومة، وربما أدى ذلك إلى ضعف المسؤولية لدى البعض تجاه المحتوى، وسهَّل النشر بدرجة أتاحت فرصاً أكبر لانتشار الشائعات حول قضايا مهمة في المجتمع.

* إن الشائعات تنتشر أكثر أوقات الأزمات وفي الظروف المثيرة للقلق، وفي فترات التحول السياسي كما يحدث الآن بالسودان، وكذا التحول الاجتماعي أو الاقتصادي. وتنتشر أكثر حيث يكون هنالك *تعتيم* إعلامي أو غموض في المواقف.

* لقد أشارت معظم البحوث في هذا المجال إلى أنَّ الاعلام الجديد في تطور، ولابد من التعامل معه إيجابيا، لذلك يجب وضع التشريعات التي تحرِّم الشائعات، واستخدام الإعلام الجديد لمحاربتها. وهذا يتطلب التعامل المهني مع المعلومة، كما يتطلب من الدولة الإعلان عن الحقائق للرأي العام بالسرعة المطلوبة، وذلك بهدف الحد من انتشار الشائعات التي تهدد المجتمع وأمنه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

* أصبح موضوع التصدي للشائعات عن المؤسسات والأفراد من الموضوعات الأساسية لدارسي العلاقات العامة وممارسيها، وهذا يتطلب تدريب الأفراد، خاصة المشاهير والنجوم، حول كيفية التعامل مع الشائعات التي تدور حول حياتهم الخاصة.

* لقد خلصت الكثير من البحوث إلى أن معظم الشائعات ذات دوافع سياسية وأن صفحات (فيسبوك) وتطبيقات الهواتف الذكية وحسابات (تويتر) والصحف الإلكترونية، تمثل أهمَّ مصادر الشائعات المنتشرة على هذه المنصات.

* واشار بعض المختصين إلى أن أبرز طرق إنتاج الشائعات في الإعلام الجديد تمثلت في التلاعب في الصور الفوتوغرافية وفي لقطات الڤيديو واختلاق معلومات غير صحيحة. كما أن ظهور صحافة المواطنين شكلت ساحة جديدة لخلق الشائعات ونشرها، وهذا يتطلب بذل جهود جماعية ومؤسسية لاستغلال هذه المنصات في مقاومة الشائعات ومحاربتها على نطاق واسع.

* ان الإعلام الجديد يحتضن بيئة أكثر حرية مما يسمح لتداول الشائعات بشكل أكبر كالأكاذيب والقصص غير معروفة المصدر، وغيرها من الأمور التي لم يسبق لها أن وجدت بيئة حاضنة في الإعلام التقليدي.

* وفي تقديري أن الآراء الشخصية التي يتم تداولها عبر الإعلام الجديد، والتي غالباً ما تكون غير موثوقة وغير صحيحة وبلا مصدر، ومليئة بالمغالطات، يتم استقبالها على أنها حقائق دامغة.

* والملاحظ على المنطقة العربية والسودان، الذي يشهد تحولات متسارعة على الصعيد السياسي، أنها وفرت بيئة خصبة لتوظيف الإمكانات المتاحة لوسائل الإعلام الجديد في الحشد للأيدولوجيات المتناحرة والمختلفة، والتوجهات والرؤى السياسية المتناقضة، وتيارات القبلية والمناطقية. ووظف البعض كل الآليات التي تحقق لهم هذا الهدف، ومنها إطلاق الشائعات التي تضج بها تلك المواقع.

* في تقديري أننا في السودان بحاجة إلى مشروع تطبيقي إلكتروني على شبكة الإنترنت يهدف إلى رصد وأرشفة الأخبار المتداولة في شبكات التواصل الاجتماعي، والتحقق من صحتها وتفنيد الإشاعات منها، وقد بدأت بعض الدول إنشاء مراصد ومراكز لمحاربة الشائعات عبر تدفق المعلومات الصحيحة الفورية.

* وعلى مستوى الواقع السوداني، فإن بعض الصحفيين، بقصد أو دون قصد، يساهمون في نشر الشائعات من خلال الممارسة الصحفية غير المهنية مثل الاعتماد على مصادر مجهولة للخبر، وعكس وجهة نظر دون وجهة النظر الأخرى، والنقد المبني على التلميح والتعريض، وتبني سياسات مصدر الخبر، وعدم الحيادية والتلوين، وغير ذلك من القضايا المهنية.

* إن إدخال مادة (مهارات الاتصال) في المرحلة الثانوية يمكن أن يكون بداية بناء الشخصية التي تتعامل بإيجابية مع المعلومات، وتتصل مع الغير بصورة موضوعية. وقد انتهجت الكثير من الدول خاصة في الغرب هذا الاتجاه، وأصبحت كفاءة الاتصال من المناهج المقررة منذ المراحل الأولية للطالب.
* لا شك أن هذا الموضوع يتطلب منا الكثير من التعمق لأهميته وتاثيره.

بقلم / *هشام عباس زكريا*

Exit mobile version