محمد محمد خير يكتب: عيد ميلاد زوجتي
اتصلت بي ابنتي من الولايات المتحدة الأمريكية تسألني هل هنأت أمها بمناسبة عيد ميلادها الذي لا أجرؤ على ذكره امتثالاً للتقليد النسوي حول هذا الأمر بالذات، سرحت طويلاً في رحلة 40 عاماً قضيناها معاً في الكلاكلة والفتيحاب والقاهرة وتورنتو ووندزور ودبي وقطر ثم حي الفردوس، تزوجتها بوهيميّاً وانتهت الآن إلى الدعوة إلى سبيل الله بالموعظة الحسنة، صعود وهبوط، توتر وشبه استقرار خوف وطمأنينة، فقر وعذاب، توثب وتطلع، أفراح نضرة، وحزن صموت.
قلت لابنتي “سأتصل بها الآن” ولم أشأ أن أقول لها إنني نسيت هذا التاريخ؛ فذلك جرم كبير ربما يغير النظرة المستقرة لابنتي تجاهي، فهي لم تكتشف حتى الآن امتدادات العمق (البلدي) الذي يطوقني أنا وأمها وكنت على يقين بأن أمها نفسها لا تتذكر هذا التاريخ لولا هاتف ابنتها من غرب المحيط، وبالفعل لم أحس بطعم شربات أو جاتو في حديثها حين هنأتها بهذا الحدث الكبير الذي دحرجها إليّ لنقيم حياة مشتركة وننجب ذرية تذكرنا بعيد الميلاد.
في مناسبة عيد ميلادها – الذي أتجنب ذكر رقمه – أحسدها على تلك العبقرية التي استطاعت من خلالها إدارتي باستراتيجية واضحة وتكتيكات لا شك باطشة، واستمرت معي كل هذا العمر دون التفكير في مضاعفتها بالزوجة الثانية أو أبغض الحلال وأحسدها أيضاً على سر تلك الخلطة التي بددت فيَّ الملل، فأنا ملول حتى من نفسي!!
أكثر يوم أحسست فيه بالوفاء الذي ينشد إلى جذري يوم وفاة أمي، فقد بكتها زوجتي بأكثر مما أَرِقنَ بناتها من دموع، كانت أمي تحبها وتصفها بصفات قلما تجود بها لأي شخص وأوصتني عليها وما تزال الوصية مصانة.
زغردت لي مرتين؛ يوم اعتقلوني حافياً بعد منتصف الليل عام 89، وزغردت لي أيضاً حين تخليت عن المعارضة لأتخفف وأتفرغ تماماً لمعارضة نفسي!!
اختلفنا واتفقنا، تباعدنا وتدانينا لكنها كانت واحدة وموحدة في كل الحالات تماماً كقول الشاعر:
حالات الزمان عليك شتى
وحالك واحدٌ في كلّ حال
عاودت ابنتى الاتصال بي لتتأكد أنني قمت بذلك الواجب الحضاري تجاه أمها، ثم ودعتني بقولها (باي بابا) تذكرت أنني قلت ذات يوم في أواخر الستينات لأبي (يا بابا) وكنت أقرأ رواية جبران خليل جبران (الأجنحة المتكسرة)، فرمقني والدي بنظرة استنكار وهوى على وجهي بكفّه مبرراً ذلك بأن هذه اللفظة تدل على قلة الرجولة فصرت حتى الآن أحظر هذه الكلمة لكنني أسمعها من أبنائي، رحمك الله (يا بابا)!!
صحيفة الانتباهة