ما يجب أن يشار اليه في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها السودان؛ وحالة عدم الاستقرار في الشأن السياسي؛ أن البلاد لا زالت ومنذ تفجر ثورة ديسمبر في الحادي عشر من ابريل 2019 وحتى يومنا هذا لا زالت تبحث لها عن (وصفة) سياسية؛ تكسبها التماسك الجغرافي والتعاضد الوطني.. في هذه الظروف تزايد اهتمام المجتمع الدولي بالسودان؛ وقد ذكرت في مرات سابقة أن المطلوب من القيادة السودانية ليس (التهافت) على الأجنبي بقدر ما مطلوب (ضبط ثيرمومتر) الفائدة الوطنية والمصلحة العليا للبلاد.
وضحت جلياً (قيمة) السودان والسوداني في المنظومة العالمية؛ لذلك لا نريد أن يقوم سياسيونا بتهافت متبادل؛ وينسوا في غمرة الصراع فيما بينهم المصالح الوطنية؛ التي تعرضت ولا زالت لكثير من (الدسائس والمؤامرات).. السودان بحاجة للوطنيين في هذا الظرف المعقد؛ وليس السياسيين مزدوجي الولاء.
أكثر ما لفت انتباه الخبراء أن السودان أو العاصمة الخرطوم؛ أضحت موضع اهتمام المجتمع الدولي؛ وزارتها في يوم واحد (وفود) مختلفة تمثل المجتمع الدولي؛ واستقبلت الخرطوم ما يربو على الـ 7 مبعوثين؛ لكل منهم أجندته وملفاته.. لكن اللافت في زيارة تلك الوفود الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.. وأهمية زيارة لافروف تأتي بسبب أنها جاءت ممثلة لـ(كفة موازية) للمبعوثين الستة.. بل كانت أقرب الى الحرب الاعلامية والدبلوماسية المكشوفة بين الجانبين.
روسيا لن تتراجع عن أهدافها في السودان .. وكذلك تفعل الدول الغربية.. والفلاح الذي ينتظر النخب السودانية؛ هو كيف تستطيع ان تستثمر في ظل هذه (المضاغطة) الدولية الهائلة.. و(الوزنة) المطلوبة بين المعسكرين الشرقي والغربي… دون اغفال للكيد الغربي المستمر ضد السودان.. وأن الدول الأوروبية مجتمعة لا تنظر الى السودان الا من زاوية (الأرض البكر) و(الموارد) التي لا تحدها حدود؛ وتستغفل في ذلك نخبنا السياسية والمجتمعية؛ التي انقادت بسهولة لهذه المخططات القبيحة في حق السودان.. وبرزت أعظم النماذج لهذه التصرفات (الطائشة) من النخبة السودانية ابان فترة حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك؛ وهي الفترة التي بلغ فيها (الهوان) السوداني تجاه الدول الغربية مداه.
كان لا بد من (وزن) كفتي المعادلة.. وهو ما يحتاجه السودان بشدة في هذا المنعطف؛ في ظني أن استمالة نائب رئيس مجلس السيادة وقائد الدعم السريع الفريق أول حميدتي للروس كانت خطوة (استباقية) في غاية الأهمية؛ ونذكر جميعنا الزيارة التي قام بها حميدتي الى موسكو قبيل اندلاع الحرب الكونية في أوكرانيا؛ والتي دبجت حولها المقالات والخطب؛ وانتقد بسببها البعض الرجل؛ بينما قرظه آخرون.. لكن وضح من تلك الزيارة أن حميدتي قائد شديد الذكاء والدهاء؛ ويستطيع أن يقرأ قراءات مستقبلية متميزة.
استمالة كفة روسيا في ظل الاستقطاب الغربي الحاد تجاه السودان؛ فعل سياسي احترازي ذكي؛ يعصم البلاد من مغبة الانزلاق غير محسوب العواقب؛ والارتماء في احضان الغرب (المتعطش) لموارد السودان.. لذلك نحن نريد شخصيات سودانية قيادية تستطيع أن تستخدم التقاطعات الدولية لمصلحة السودان.. ولا أظن أن زيارة بحجم زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف كانت ستتم لولا الخطوة التي قام بها نائب رئيس مجلس السيادة.
صحيفة الانتباهة