هناك فرق
منى أبو زيد
الحاجة سعاد..!
13فبراير 2023م
“أعظم شيء جادت به الحضارة الغربية أنّها ألغت فكرة البطل لصالح فكرة المؤسسة”.. ميشال فوكو..!
حكاية مقطوعة السند ذائعة الصيت عبر مواقع الإنترنت، تقول إن أحد الأعراب كان يُقيم مُناسبة زواج أحد أولاده، وعندما أدرك أنّ عدد الضيوف يفوق عدد قطع اللحم، أخذ يلف بعض قطع الخُبز الخالية من اللحم ثم يقوم بتوزيعها على بعض الأقارب الذين كان يحسن الظن بهم. لكن أحدهم صاح مُبدياً انزعاجه من حكاية الخُبز الخالي من اللحم، فأعطاه صاحب الدار ما طلب وهو يُخاطبه قائلاً “أعذرني، ظننتك من أهلي”..!
لعلك تذكر أنك قد تعثَّرت بهذه الحكاية يوماً، ولعلك تذكر أيضاً ذلك الكهل الذي كان جاراً لأبويك منذ زمن، أو تلك العجوز التي كانت تناطح والدتك على الفوز بترقيةٍ ما وهما على أعتاب المعاش، أو أحد أقربائك الذين لا يطيقونك لكنهم مع ذلك لا يتركونك بسلام …إلخ.. لعلّ أحد هؤلاء قد أثار يوماً ما زوبعةً ما بشأن نصيبه من صحون العشاء عندما قُمت بدعوته إلى حفل عرسٍ يخصك. وكيف أنه قد عاجلك بتلك الجملة الرخيصة “نحن ما اتعشينا”، ثم كيف ظل يؤكد ذلك دون أن يطرف له جفنٌ، حتى وإن كنت قد رأيته بأم عينك وهو “يدبِّل” صحن العشاء..!
التذمر من عدم الحُصُول على صحن العشاء ليس سوى أيقونة لفظية للتدليل على وجود عيبٍ ما في ترتيبات مُناسبة دفعت أنت مُعظم ما تملك لإحيائها بسلام، وذلك بأن يقدح أحدهم في عرضك الذي جاهدت جهاد المُؤمنين المُحتسبين للذود عنه. لكنه السودان على أية حال..!
إنه السودان الذي يقوم فيه بعض الناس بإفساد صِيت البعض الآخر بالإصرار على الحديث أمام “الحاجة سعاد” عن تجاوزهم لحظة تقديم صحون العشاء، فقط لأنهم يعلمون بأنها سوف تقوم بنشر أحاديثهم تلك على الملأ حتى تكاد أن ترتقي بها مراقي “البريكينق نيوز” في قروبات الواتس آب..!
في لعبة الكراسي السياسية في السودان، هنالك أيضاً صحون عشاء يتم تداول الاتهامات والدفوعات بشأنها، وهنالك أيضاً الحاجة سعاد التي تتولى مهمة نشر اتهامات هؤلاء حيناً والترويج لدفوعات أولئك أحياناً، لا تقل لي إنك لم تقرأ أبداً للحاجة سعاد..!
في آخر عهد الإنقاذ، تفاقمت ظاهرة صراعات الأجنحة داخل حزب المؤتمر الوطني وكثُر لجوء السياسيين إلى الصحافة لكسب المعارك ولتصفية الحسابات. ولأنّ الحاجة سعاد سرُّها باتِع، استمر السياسيون وأصحاب المناصب – في عهد ما بعد الثورة – في اطلاعها على تحديات وأوجاع وعلل ومزالق ومهالك عملية توزيع صحون العشاء. حتى كادت الحاجة سعاد أن تتفرغ لنشر التصريحات المثيرة للجدل المُفضي إلى الملل..!
الصحافة التي لا تملك حرية العمل الاستقصائي الحر – الذي يمتزج بلهاث العمل الشاق ولزوجة العرق – ستظل تُعيد إنتاج التصريح السياسي خبراً ثم رأياً بشأنه، ثم استطلاعاً أو تحقيقاً حول آثار تداعياته، ثم حواراً مع المعسكر السياسي الآخر عن خلفيته ودلالاته.. وهكذا دواليك.. إلى أن تسقطها ثورة قارئ أو تنقذها ثورة إصلاح..!
صحيفة الصيحة